ربما لن يكون الخامس من نوفمبر يوماً انتخابياً عادياً مماثلاً لما شهدته أمريكا عبر تاريخها، فرغم انحسار التنافس للوصول إلى البيت الأبيض بين الجمهوريين والديمقراطيين، فإن الرمزية التي يمثلها المتنافسان الحاليان، وهما كامالا هاريس ودونالد ترامب، تجعل الناخب على مفترق طرق، فهاريس الديمقراطية ذات الأصول الإفريقية الهندية صاحبة رحلة كفاح منذ مقارعتها الخطوب لتصبح مدعياً عاماً لولاية كاليفورنيا إلى أن أصبحت نائبة للرئيس الحالي جو بايدن، ترمز للمساواة السياسية التي تنشدها جماعات الأقليات والمرأة والعمال والمهاجرين، وعلى النقيض منها يأتي ترامب رمزاً للثراء وصاحب شعار «أمريكا أولاً» بمفهومه الرأسمالي لأمريكا التي لا مكان فيها للمهاجرين.المعركة الانتخابية على أشدها، واستطلاعات الرأي تتأرجح بينهما، ولكل مرشح مقوماته التي قد ترجح كفته، فترامب في نظر كثير من الأمريكيين رجل المهمات الصعبة، إذ تمكن من إيجاد طريق مشتركة مع روسيا وكوريا الشمالية، ولم يسبقه إلى ذلك أي رئيس سابق، واستطاع تجاوز الاتهامات الموجهة إليه، وكسب ثقة الجمهوريين، ليكون مرشحهم نحو البيت الأبيض، في المقابل تتمتع هاريس بشعبية كبيرة من الحركات النسوية والمهاجرين على اختلاف مشاربهم، كما تمكنت بذكائها من سد الفجوة بينها وبين ترامب على المستوى الوطني، في الولايات الثماني الحاسمة، ومنها بنسلفانيا التي ستلعب دوراً مهماً في اختيار خليفة بايدن.رغم الشد والجذب، فإنه يبدو أن الديمقراطيين رتبوا أوراقهم جيداً، فبايدن المتهم بتدهور وضعه الصحي، بسبب التصرفات الغريبة التي كانت تصدر عنه، لم يرضَ أن تكون مناظرته الأخيرة مع ترامب القشة التي تقصم ظهر حزبه، وعرف من أين تؤكل الكتف، فبترشيحه هاريس، قلب الطاولة على خصمه، وضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية وحّد الديمقراطيين خلف هاريس، إذ كانت استطلاعات الرأي تشير إلى انقسام داخل الحزب، وبمجرد إعلانه ترشيح هاريس، حصدت في أقل من 48 ساعة، تأييد 1976 مندوباً من الديمقراطيين، واللافت أنها حازت تأييد ديمقراطيين كانوا منافسين لها، فقد أيدها حكام ولايات كاليفورنيا وبنسلفانيا وميشيغان، ومن ناحية أخرى أظهر للناخب الأمريكي مدى حرص الحزب الديمقراطي على مصلحة أمريكا، إذ أكد أنه إنما تنحى ورشح هاريس، ليبث دماء شابة في أعلى منصب بأمريكا، وبذلك يكون عرّى منافسه الذي أثار الفوضى، وكاد يجرّ المواطن الأمريكي لما لا تحمد عقباه، برفضه نتيجة الانتخابات الماضية.الشارع الأمريكي قرّب المسافة بين المرشحين، إذ أظهر استطلاع للرأي أن ترامب يحظى بتأييد 48% من الناخبين، بينما تتمتع هاريس ب47%، سيقول كلمته الفصل التي ينتظرها الجميع، لأنه من المؤكد أن تأثيراتها لن تكون حبيسة الولايات المتحدة فقط، بل ستطول العالم بأسره.