حمد الحمد

فيصل الخرجي، كما يُعرف مطرب كويتي، ولكن الحظ يعاكسه لسنوات... ونادراً ما نراه على أي قناة حكومية أو خاصة في الكويت.

ولكن مع ذلك مُجتهد، ولم ييأس واستمر بين فترة وأخرى، يبث أغاني بكلمات بسيطة على الغيتار، إلى أن ضرب الحظ معه أخيراًً، عندما قدم أغنية عن «البصمة الثالثة»...

وبكلمات بسيطة أصبحت تلك الاغنية «ترند». وسلطت قناة «بي بي سي» الضوء على المطرب الخرجي وعلى كلمات أغنيته التي تحمل هموم الموظفين في الكويت.

ولنترك تلك الأغنية، والحظ الذي ابتسم للخرجي بعد طول انتظار، ونعود للبصمة الثالثة، هل القرار سيحل مشكلة ما؟ لا اعتقد ذلك، لأن القضية أكبر من ذلك بكثير، وأن أي قرارات إنما تعالج الأعراض، ولا تعالج لُب المشكلة، لأن أي موظف أو موظفة يترك العمل والذهاب للتجوّل في الأسواق هو مُجبر، لأنه ببساطة، زائد على حاجة العمل، وهو جزء من طوابير البطالة المُقنعة، حيث خلال سنوات تم توظيف العديد من دون مُسميات ولا مهام وظيفية...

وحتى لو حضر لا مكتب ولا مكان له، لهذا من المُخجل أن يقف في الممرات.

المشكلة الأعظم أن المعاهد والجامعات تدفع بمُخرجات لا يحتاجها سوق العمل، وهي كالمصانع التي تنتج سلعاً لا يحتاجها السوق، ولا تُباع.

اذاً نحن صراحة نشفق على الحكومة، وكأنها تقول «آخ يا بطني آخ يا ظهري»، حيث أمامها آلاف الخريجين تدفع بهم المؤسسات التعليمية سنوياً، لكن القطاع الخاص لا يحتاجهم، والقطاع العام مُتخم بهم.

أذكر دخل مكتبي محمد في بداية التسعينيات وهو خريج كويتي شاب، وكان يبحث عن فرصة عمل أفضل، قلت له: الآن أنت تعمل في مؤسسة حكومية الكل يحلم بالعمل بها، لماذا تريد التغيير؟، قال نعم أعمل لكن مؤهلاتي وقدراتي لا تُناسب ما أقوم به، خرج محمد من مكتبي وسمعت أنه حجز تذكرة وطار إلى أميركا وسمعت أنه عمل كمدير في شركة مايكروسوفت وتزوج هناك، ولم يعد إلى الكويت منذ ذلك الحين.

وفي عدد «الراي» الأخير، ذُكر في الصفحة الأولى أن هناك عدد 457 ألف كويتي في سوق العمل، ونسبة 83.9 في المئة منهم يعملون في القطاع الحكومي.

وأنا أكتب هذا المقال، كنت في أحد فروع بنوكنا الوطنية، وصعقت، حيث لم أجد إلا موظفتين ومديراً، بينما كان الفرع في السابق يعج بالموظفين.

سألت المدير، أين الموظفون؟ قال الآن العمل أغلبه تحول إلى الأتمتة والتطبيقات، رغم أن بنوكنا هي المستوعب الأكبر للعمالة الوطنية ومازالت.

الآن لنترك قرار البصمة الثالثة أو حتى الرابعة، وهل تُغير من الحال؟ أعتقد من ليس له مهام عمل يومية فعلية، لن يُلام إن خرج لأقرب كافيه ويعود بعد ذلك ليبصم، والأسئلة التي نطرحها هي:

- إلى متى سيستوعب القطاع الحكومي المخرجات السنوية؟

- إلى متى تعليمنا يدفع بمُخرجات لا يحتاجها سوق العمل؟

- وهل ستضطر الحكومة مستقبلاً مجبرة، إلى السماح بازدواج الجنسية للكويتي، كما تفعل الدول الصغيرة المساحة كلبنان وغيرها، التي تعجز عن أن توفر لكل مواطنيها فرص عمل في الداخل، وتسمح له بالبحث في الخارج مع الاحتفاظ بجنسيته؟

أسئلة من الصعب الإجابة عليها، ونحن جميعاً نتحمّل أخطاء مستقبل التعليم الذي مازال يعيش في كنف الماضي، والعالم يدخل في عصر الذكاء الاصطناعي وما بعده، والقادم كما يُقال أصعب، وكما يقول المثل «الشق وسيع».