اهتمّت وسائل الإعلام، وحتى الدوائر السياسية في الغرب، بأمر عناق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارة الأول لموسكو قبل شهر ونصف. لما يعرف بلغة الجسد أهميتها لا في التحليل النفسي وحده، وإنما في التحليل السياسي أيضاً عندما يتصل الأمر بأهل السياسة، هذا ما تسابق المحللون على إظهاره يومها، رغم أنه ليس ضرورياً أن مودي أراد إيصال أي رسالة من طريقة احتفائه ببوتين، ولكن من بوسعه إقناع الشغوفين باستنباط الرسائل من كل شاردة وواردة؟بعد شهر ونصف حلّ مودي نفسه ضيفاً على كييف، طرف النزاع الثاني الجاري بين روسيا وأوكرانيا. ليس بالوسع القول إن مودي أتى كييف لإبداء التضامن معها في حربها مع موسكو بعد زيارته العاصمة الروسية. يبدو مرجحاً أنّ غاية الزيارة هي إبداء الاستعداد الهندي للانخراط في وساطة تفضي إلى تسوية النزاع المستمر، الذي ازداد احتداماً مع نجاح الجيش الأوكراني في اجتياح أراض روسية على الحدود بين البلدين.زيارة مودي لكييف ليست فقط زيارته الأولى إليها، بل هي أول زيارة لرئيس وزراء هندي لأوكرانيا على الإطلاق، وتوقيت الزيارة مهم، لا لجهة أنها أتت بعد زيارة مودي إلى موسكو فقط، وإنما أيضاً لأنها تأتي بعد دخول القوات الأوكرانية أراضي روسية، وهو التطور الذي تقول كييف إنها تريد أن يكون مقدّمة لمفاوضات تفضي إلى إنهاء النزاع، اعتقاداً منها أن أوراقها في التفاوض قد تحسنت، وهو أمر مشكوك فيه، فمن المستبعد أن يقبل بوتين مقايضة كتلك التي يفكر فيها زيلينسكي: انسحاب روسي مقابل انسحاب أوكراني.على صلة بهذا الأمر علينا ملاحظة أن الهند قاومت الضغوط الغربية في حملها على اتخاذ موقف معاد لموسكو، بعد نشوء نزاع أوكرانيا، ولم تستدرج دلهي إلى إدانة ما جرى، وظلت متمسكة بالدعوة إلى حل النزاع من خلال الحوار والدبلوماسية، بل إن الهند كانت من بين المستفيدين اقتصادياً من إجراءات الحصار الغربي لروسيا، وهذا الموقف المحايد ربما يمنح دلهي صدقية لا تتوفر لسواها من الدول في السعي إلى وساطة لحل النزاع.المسافة بين النوايا والواقع شاسعة. هذا ما يدركه مودي بالتأكيد، لكن ذلك لا يمنعه أن يمنح بلاده رصيداً بإظهارها داعية للسلام، ومنفتحة على طرفي النزاع، دون انحياز معلن لأحدهما، وهذا ما جسدته زيارتاه لعاصمتي روسيا وأوكرانيا ولقاؤه بالرئيسين فيهما.لا يمكن أيضاً إغفال هدف آخر في زيارة مودي لكييف، هو امتصاص غضب العواصم الغربية من زيارته لموسكو ولقائه الدافئ ببوتين، كأن لسان حاله يقول: أتيتُ كييف بعد موسكو لإبلاغ الرسالة نفسها: المفاوضات لبلوغ تسوية متفق عليها بديلاً لاستمرار الحرب.
- آخر تحديث :
التعليقات