أسعد عبود

ما الذي دفع بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها الأصلي، وإعلانه الترشّح لولاية ثانية؟

الجواب البديهي هو سعي تبون إلى البناء على الواقع السياسي الحالي في الجزائر. هناك تراجع في نشاط الحراك الذي انطلق في عام 2019، وأدّى إلى إرغام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى العزوف عن الترشّح لولاية خامسة.

التراجع في نشاط الحراك لا يعني القضاء على الفكرة التي بُني عليها أهم تحرّك سلمي في الجزائر منذ عقود، وفي مقدمها إجراء إصلاحات جذرية على النظام الجزائري الذي يُهيمن عليه الجيش منذ الاستقلال في عام 1962.

صحيحٌ أن بوتفليقة استطاع أن يشكّل مرحلة انتقالية في البلاد من "العشريّة السوداء" إلى الاستقرار، لكن هذا الاستقرار كي يتدعّم بقي بحاجة إلى إصلاحات، كي لا تتّخذها أية جهة سبباً للعبث بأمن الجزائر.

كان الحراك السلمي ظاهرة راقية اعتمدت نهج التظاهر الحاشد مرّة في الأسبوع، لإسماع صوت الناس أن بوتفليقة الذي كان يمرّ بظروف صحية خطيرة لم يعد من المناسب للبلاد أن يترشّح لولاية خامسة، بعدما أمضى في الحكم عقدين من الزمن.

هنا، اختارت المؤسسة العسكرية حلاً وسطاً. هي لا تريد الاصطدام مع الشارع، وفي الوقت نفسه لا تريد التسليم بكل المطالب التي يرفعها هذا الشارع. فأتت بتبون، رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة، كي يُكمل مسيرته مع بعض الإصلاحات التجميلية التي تُرضي الشارع إلى حدّ ما، ولا تشكّل في الوقت نفسه تنازلاً جوهرياً من قبل النظام.

وانتُخب تبون في عام 2019 بنسبة اقتراع متدنية جداً نتيجة مقاطعة الحراك انتخابات رأى فيها عملية صوريّة، واستكمالاً لعهود بوتفليقة. وبعد تسلّمه الرئاسة، انتهج تبون مسارين: قمع الحراك من خلال اعتقال قادته، وساعدته في ذلك الإغلاقات التي طُبّقت في مواجهة الوباء، والمسار الثاني هو حملة ضدّ الفساد أدّت إلى اعتقال رئيسين سابقين للوزراء، فضلاً عن وزراء ورجال أعمال، ومحاكمتهم وإصدار أحكام بالسجن عليهم بلغت في بعض الأحيان 20 عاماً.

الآن، لا أحد يجادل في تراجع الحراك، وهي فرصة اغتنمها تبون من أجل تقديم موعد الانتخابات المعروفة النتائج سلفاً. ويرى الرئيس الجزائري أن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية مؤاتية له لتجديد رئاسته من دون ضجّة. لكن، تبقى أمامه عقبة مهمّة وهي نسبة المشاركة. فهو يريد أكبر مشاركة ممكنة كي يؤكّد شرعيته، وهذا لن يحصل في حال استمر الحراك في مقاطعة الانتخابات. وهذه هي الورقة الأقوى في يد الحراك، ولن يمنحها للنظام مجاناً.

تعزز موقع الجزائر دولياً عقب الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ باتت أوروبا في حاجة ماسّة إلى الغاز الجزائري لتعوّض النقص الحاصل نتيجة الحظر الذي فرضته على استيراد الغاز الروسي. ورفع هذا من عائدات البلاد، من دون أن يقيها التعرّض بين الحين والآخر لنقص حاد في مواد أساسية، على غرار زيت الطهي مثلاً.

ولعبت الجزائر، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، دوراً مهماً في تقديم مشاريع قرارات للمجلس تدعو إلى وقف النار في غزة، لكن الفيتو الأميركي عطّلها.

وتحتفظ الجزائر بعلاقات غير مستقرة مع فرنسا. أحياناً، تبدو هذه العلاقات في أفضل مراحلها. لكن لا تلبث أن تتدهور بفعل موقف لباريس على الصعيد الإقليمي، على غرار ما حدث في الشهر الماضي عندما اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالخطة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية. فاستدعت الجزائر سفيرها من باريس للتشاور، ولم يكن مضى شهر بعد على اللقاء بين تبون وماكرون في إيطاليا على هامش قمة مجموعة السبع.

وبقيت الجزائر في عهد تبون وفيّة للعلاقات التقليدية مع روسيا، المزوّد الرئيسي للجزائر بالسلاح، والتي تلتقي معها في الكثير من المواقف إزاء الكثير من القضايا الدولية.

وفي الوقت نفسه، يُبدي تبون انفتاحاً على الولايات المتحدة، ويسعى إلى التعاون معها في إيجاد تسوية سلميّة للحرب في السودان.

ضمن هذه المناخات الداخلية والخارجية، وجد تبون أن الظرف مناسب لتقديم موعد الانتخابات الخالية من المفاجآت.