سهوب بغدادي

قيل: إن العِبرة بالخواتيم، وخاتمة الشيء عاقبته وآخره، لطالما تحرينا نهاية القصة أو الرواية أو الفلم التي إما أن سعيدة أو حزينة، أمّا ما يتوسط ذلك فليس محبذًا، تلك النهايات المفتوحة المرنة كثيرة الاحتمالات والسيناريوهات لا تطاق ولا تحتمل، إذ يعتبرها بعضهم دالة على ضعف مستوى كاتب النص، وقصور المعيار الإبداعي لديه، فقد يفضل غالبية الأشخاص النهايات الملحمية والمحتومة على المفتوحة والمائعة المطاطية، فكلنا نحب النهايات السعيدة إلا ما ندر، وعندما يتعلق الأمر بالأمور الحياتية، فإننا نقيس ما عرفناه وتشرّبناه مسبقًا على الأوضاع والأحداث والمسائل التي تعترضنا، فيمضي الشخص أيامه بانتظار خواتيم علاقته مع أحد الأصدقاء الذين قرروا الرحيل دون سابق إنذار، ضمن حالة اختفاء افتراضية كانت أم على أرض الواقع، ولسان حال الشخص المنتظر يقول «ما الذي حدث بيننا، لقد كان كل شيء على ما يرام، ربما استحق القليل من الاهتمام أو شيئا من التبرير، لكي أتمكن من إغلاق الملف»، أو كالتي تزوجت وعملت «بلوك» لبعض الصديقات من حياتها، دون أي ذنب اقترفنه بحقها، وتلك الزميلة التي تركت العمل وخلفت في جنباته ضحكاتها ومناكفاتها اللطيفة، إلا أنها رحلت حقًا واستبدلت الجميع بآخرين، على الرغم من سير علاقاتها مع الجميع بشكل وممتاز، مما يثير تساؤل الزميلات بعدها، ما الذي جرى؟ إن جميع الافتراضات متاحة وقابلة للتطبيق والتصديق، والأصعب أن يمضي الشخص أيامه في تحري الإجابة عن تساؤل يتيم يقوض مضجعه كلما مرت به الذكرى، في حقيقة الأمر، لا شيء يهم، من رحل دون مبررات قد يعود، أو يستمر في الغياب، ولكل أسبابه وظروفه ومسوغاته، فكل ما عليك فعله أن تضع خاتمة القصة من طرفك، على أن تكون خالية من الأحقاد والضغائن وجلد الذات، وأعلم أن الإجابة المنشودة و»تقفيلة» القصة قد لا توازي الراحة المطلقة أو ببساطة لن تعجبك وترضيك! وإن أتى الرد فقد يكون جزءا من النص مفقود، في المقابل إن النهايات غير قابلة للتبديل، ويصعب إعادة صياغتها وتشكيلها، ففي بعض الأحيان تمثل النهاية الرمادية المائعة بصيصًا للأمل، وتحمل معها معاني عديدة أجمل مما كان متوقعًا، وعن النهايات السعيدة والعادلة، فلا تقف على قارعة الطريق لانتظارها ريثما تعبر، فقد تكون أسرع من أن تلمحها أو أن تكون مكسوة برداء باهت يصعب عليك تمييزه وسط الزحام وعتمة الأيام.

«في زاويةٍ ما، ما زال هناك في الانتظار طريق جديد أو باب سحري» - جون تولكين