صدرت عن شركة «ماكينزي» للأبحاث دراسة حول ما تحقق في تحول الطاقة بعد تسعة أعوام من اتفاق باريس 2015، والمسيرة المستقبلية المتوقع تحقيقها في هذا المجال خلال المستقبل المنظور. واستنتجت أبحاث الدراسة أن أهم ظاهرة طاقوية ستتجلى في الاستهلاك المتزايد للكهرباء.

من نافلة القول أن الكلام عن تحول الطاقة العالمية هو ليس بالأمر اليسير؛ إذ تعني عملية التغيير هذه استبدال نظام اقتصادي وحضاري متكامل تعايش معه العالم بجميع دوله لأكثر من قرن من الزمن، ولو بنسب مختلفة ما بين دولة وأخرى حسب نموها الاقتصادي، اعتماداً على مدى الاستهلاك الكهربائي واختلاف استعمال وسائل النقل والأدوات الكهربائية المنزلية في كل دولة، ناهيك عن التخوف المنسوب لكثافة استهلاك الوقود الأحفوري.

يحاول بحث «ماكينزي» الصادر الأسبوع الماضي دراسة هذا الموضوع المتعدد الأبعاد، ذي النفقات العالية المتصاعدة، والمعتمد اعتماداً أساسياً على تطور التقنيات وتحديثها باستمرار.

تدل استنتاجات البحث على أنه نظراً لزيادة الطلب العالمي على الطاقة ودور الوقود الأحفوري في وسائل النقل والصناعات، ستستمر زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة 2025-2050، مع توقع انخفاض في نسبة زيادة الانبعاثات ابتداء من عام 2030. لكن رغم ذلك، تستمر الانبعاثات في عام 2050 أعلى من هدف تصفير الانبعاثات المنشود عندئذ. هذا، وإن السبب في انخفاض نسبة الانبعاثات حتى منتصف القرن هو العوامل الاقتصادية، وازدياد استعمال التقنيات المستدامة القليلة الانبعاثات.

تتوقع الدراسة أن يرتفع معدل الانبعاثات لذروته خلال الفترة ما بين 2025-2035، قبل أن تبدأ تنخفض نسبياً كمية الانبعاثات. كما تتوقع الدراسة أيضاً ازدياد الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050.

ويتوقع أن تشكل الدول النامية السبب الرئيسي لزيادة الطلب على الطاقة نظراً إلى الازدياد في عدد سكانها، والطبقة المتوسطة نظراً لارتفاع نموها الاقتصادي، وستتراوح زيادة الطلب هذه في الدول النامية؛ إذ ستحصل هذه الزيادات في الطلب بدول شرق آسيا، والهند، والشرق الأوسط، حيث يتوقع أن تستحوذ هذه الدول على نحو 66 إلى 95 بالمائة من الطلب على زيادة الطاقة.

أما في الدول ذات الاقتصادات المتطورة والصين، فيتوقع أن تستمر معدلات نمو الطلب على المديين القصير والمتوسط. ومن المحتمل جداً أن تتباين مسيرات زيادة الطلب ما بين هذه الدول؛ إذ من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة مثلاً، نظراً لاحتمال ازدياد الصناعات هناك، الذي يزيد بدوره استهلاك الكهرباء.

وفي ظل هذه التطورات والمتغيرات المتعددة المتوقعة مستقبلاً، تركز الدراسة على زيادة استعمال الكهرباء عالمياً؛ إذ يذكر البحث أن «زيادة كهربة العالم في ارتفاع مستمر؛ إذ يشير بحثنا إلى أنه خلال الفترة ما بين الأعوام 2023-2050، سيتزايد الاستهلاك الكهربائي ما بين الضعف وأكثر، حسب الوضع الاقتصادي في الدول». ويضيف البحث أنه من المتوقع «أن تصبح الكهرباء أهم قطاع لاستهلاك الطاقة، وهذا يشمل زيادة استهلاك الكهرباء في البنايات، بالإضافة إلى قطاعات جديدة، كالسيارات الكهربائية ومراكز المعلومات وإنتاج الهيدروجين الأخضر».

كما تضيف الدراسة أن «من بين القطاعات الجديدة التي ستزيد من استهلاك الكهرباء هو الذكاء الاصطناعي، وما يرافقه من مراكز المعلومات. وستعتمد هذه الزيادة طبعاً على مدى استعمال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التقنيات الأخرى التي قد يتم استعمالها أيضاً».

ويتوقع تصنيع وقود الهيدروجين الأخضر زيادة الاستهلاك الكهربائي بنحو 179 ميغاتون بحلول عام 2050، مقارنة بنحو ميغاتون واحد من الكهرباء يتم استعماله حالياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر، و5 ميغاتون بحلول عام 2030، مما يعني زيادة في استهلاك الكهرباء بنحو 20 بالمائة سنوياً في هذا القطاع وحده.

كذلك، يتوقع البحث زيادة استهلاك الكهرباء بنحو 10 بالمائة سنوياً لخدمة المركبات الكهربائية؛ إذ من المتوقع أن تشكل السيارات الخاصة ذات البطارية الكهربائية أغلبية السيارات الموجودة عام 2050.

وتدل توقعات الدراسة على أن تتغير مكونات سلة الطاقة لتشكل الطاقات المستدامة 65-80 بالمائة منها بحلول عام 2050، مقارنة بتكوينها نحو 20 بالمائة من سلة الطاقة تقريباً في الفترة الحالية. وسيعتمد النمو في الطاقات المستدامة على التطور التكنولوجي لها.