عبد الله سليمان الطليان

الانحطاط: قبل بضع أعوام، كان يستقطب الرجل والمرأة حدود جنسية ذات صفات واضحة المعالم. ولكن، في الوقت الحاضر يريد الرجال أن ينجبوا أطفالا، وهناك عديد من الأفلام السينمائية فيها يلبس الرجال كالنساء، وإعلانات فيها يظهر رجل حاملا، ولم يعد السروال امتيازا للرجال، ولا الشعر الطويل، أو الأقراط، أو العقود، أو الأساور حكرا على النساء. فالذكور اليوم يذهبون إلى دور التجميل.

وهناك نساء يدخن السيجار والإعلان التلفزيوني يغص بالالتباس الجنسي، وأشرطة الفيديو مليئة بالكائنات الجنسية الغريبة التي تترك مسألة تمييز جنسها المذكر أو المؤنث الخيال المشاهد، ويرتدي كثير من نجوم الموسيقى الحديثة لباسا مؤنثا ويصبحون نماذج يقلدها الشباب الذين لم يصلوا بعد إلى اتفاق مع هويتهم الجنسية. وفي غضون ذلك، تشعر النساء أن الشوفينية الذكرية تجردهن من أهليتهن، فيكافحن لينافسن الرجال كأنداد، مما يقودهن في الأغلب إلى اختيار أزياء مذكرة واضحة في محاولة للتفوق على الرجال، وبالتالي، حمل الآخرين على احترامهن، ويحقق اللباس الواحد للجنسين آمال كثير من الناس فالنساء والرجال متساوون من حيث المظهر.

ولكن هذا الالتباس الجنسي، سواء كان الجنس بمعناه التناسلي أو بمعناه لجهة الذكورة أو الأنوثة، يمضي إلى أبعد من مجرد صورة، ولا ينحصر بمظهر بدني. إنه يستوطن في المعلومات الدماغية التي تأتي من البيئة الثقافية، فيخترق العقل بسبب طبيعته الدووعيية (أي دون الوعي)، ويسرب أوامر السلوك والمتأثرون هم عادة أفراد لم ينجحوا في تحديد هويتهم الخاصة. والذين لا يعرفون بالتأكيد من هم وماذا يريدون وهم بملبسهم وتصرفهم بهذه الطريقة غير التقليدية، يستمدون إحساسا بهوية أكثر تحديدا ووضوحا، فالرجل، بشعره الطويل، يجعل نفسه موضع اهتمام، وهو بتصرفه هذا يتفادى حدة إحساسه بالهوية في مستوى الكيان (الكيان بالمعنى الاجتماعي أو بمعنى العلاقة بشخص أو شيء آخر).

يمكن أن يستنفد البحث عن الهوية الكثير من الوقت وأنه يشغل حياة الكثيرين من الناس على شكل مشكلة غير محلولة. واستمرار حالة الالتباس الداخلي يشوش النمو السوي للشخصية ويسبب فقدان الاهتمام بأي شيء يتجاوز حدود الصراع النفسي. فالشخص المتأنث يصعب عليه أن يعمل على تقوية شخصيته وإرادته، لأن حل الصراع الذي يعاني منه لا يترك له وقتا كافيا لكي يقوم بأي عمل أبعد من الحصول على هوية خارجية تضفي عليه قيمة في نظر نداده، فإذا نجح في بحثه عن هذه الهوية الخارجية، فإنه سوف يلجأ أكثر فأكثر إلى العالم الخارجي. ومن غير المحتمل أن يطرح على نفسه أسئلة بطريقة تشجعه على تحليل شخصيته وسلوكه، فعبث الشخص يعميه عن إدراك القيمة المهمة والأكثر عمقا لمسائل الوضع الإنساني. ومن المؤسف أن يكون عالم المظاهر الخارجية، بحد ذاته، اعتبارا تافها، وكل من يحاول أن يوطد أهميته وفقا لهذه المعايير سيدفع الثمن عن طريق معاناته من فراغ داخلي لا يمكن تحمله.