الحياة ما هي إلا مواقف متغيّرة في زمانها ومكانها وظروفها، وما بين هذا كله يكون الاختبار لمعادن البشر.

المواقف والظروف والتغيرات، التي نمر بها في مراحل وتفاصيل حياتنا، بمنزلة أشعة سينية لما لا نراه بأعيننا، وتكشف أعماق وأصل القريبين منا والمحيطين بنا.

‏الأبناء والأصدقاء والأحبة والأقرباء، أناس التصقنا بهم وأحببناهم ووثقنا بهم في حياتنا، ولم نفكّر يوماً من الأيام، ولو للحظة، أنهم مشاريع مؤقتة، لها زمانها وظروفها فقط.

تتغيّر الظروف وتتتبدل الأحوال، وتتكشّف هذه المعادن على حقيقتها عند المواقف والأزمات والشدائد، فيصيبنا الذهول، ويخنقنا الإنكار، ويتشربنا الإحباط وانعدام الثقة من بعض هؤلاء.

يقولون معادن الناس تظهر كالتالي:

* الزوج عند مرض زوجته، فهناك من الأزواج من يُفني حياته لراحة شريكة عمره، يتخلّى عن كثير من تفاصيل يومه، فيكون لها الدواء والحياة.

* الزوجة عند فقر زوجها، ومن تتغيّر بعد أن يتغيّر حال زوجها ويتبدّد ماله، فهي امرأة ذات معدن رخيص جداً، بل لا معدن لها أبداً.

* الصديق عند الشدة، وغالباً ما تكشف المواقف الصعبة معادن من حولنا من الأصدقاء، هناك من يزيدون التصاقاً بنا عند هذه المواقف الصعبة، وهناك من ترى غباره خلفه، عند أول أزمة تعيشها وأول حاجة تتعرّض لها.

* الأبناء عند شيخوخة والديهم، فإن كانوا أبناء بررة، أعانوهم، وأصبحوا لهم العينين واليدين والقدمين، وأصبحوا لهم الروح والقلب أيضاً.

* الأخوة عند الميراث، وهذا للأسف ما نراه كثيراً في حياتنا، حيث تنهار أواصر الأخوة، ويزداد الجفاء بينهم، بعد أن تأكل مشاكل الميراث خيوط الحب والتواصل والعشرة.

* الأقرباء في الغربة، فالمعادن الحقيقية للأقرباء تكون جلية عند ترك الوطن والالتجاء للغربة، فما أحوج الإنسان إلى أقربائه في هذه الأحوال، فكلما التحم الأقرباء في غربتهم وزاد الحب بينهم، تلاشت مرارة الغربة وجفوة الحياة بين ضلوعهم.

* أما الحب الحقيقي فهو الذي لا يظهر إلا بعد أن تنتهي المصلحة، لأنه يقف شامخاً في وجه كل تحديات الحال دون هذه المصلحة.

ونختمها بالمؤمن الحقيقي، الذي لا يظهر معدنه إلا عند الابتلاء، فهو لا يعرف إلا الإيمان والاتكال على الله عند الابتلاء، فالله سبحانه يُعطي، وهو وحده من يأخذ عزيزاً أو حبيباً أو مالاً.

الله جاب، الله أخذ، الله عليه العوض.


إقبال الأحمد