انتهت الأسبوع الماضي قمة «بريكس» في قازان في روسيا. لم يظهر الرئيس بوتين أثناء القمة بالشكل المعزول الذي يريده الغرب، بل بدا منتشياً وهو محاط بعدد من قادة العالم، ورحّب هو وقادة «بريكس» بانضمام الأعضاء الجدد، وهم مصر والإمارات وإثيوبيا وإيران. هذا التوسع يشير إلى تطور ملحوظ؛ إذ يُظهر «بريكس» لتكون وكأنها مواجهة للتكتلات التي يقودها الغرب، وخاصة «مجموعة السبع»، فهل يُغيّر شكل وأهداف «بريكس» في السنوات الأخيرة؟ وهل أصبحت تكتلاً سياسياً لـ«الجنوب العالمي» ضد الغرب بعد أن كانت تجمعاً للدول ذات الاقتصادات الناشئة؟

تمثل دول «بريكس» بوضعها الحالي نحو 40 في المائة من سكان العالم، ونحو 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، مما يجعلها لاعباً مؤثراً في المسائل الاقتصادية الدولية. كما أن المجموعة، بعد انضمام الدول الجديدة، أصبحت مسؤولة عن نحو 30 في المائة من إنتاج النفط العالمي، مما يمنحها دوراً حاسماً في أمن الطاقة. علاوة على ذلك، تتمتع دول «بريكس» بنفوذ كبير على الأمن الغذائي العالمي من خلال إنتاجها الزراعي، وخاصة في الحبوب والبذور الزيتية، وهو أمر لم يخفه بوتين الذي دعا إلى إنشاء بورصة للحبوب خلال القمة. ويتيح هذا النفوذ الواسع لـ«بريكس»» التأثير على أسعار السلع الأساسية وضمان استقرار الإمدادات الغذائية. واقتصادياً، يتفوق تكتل «بريكس» على «مجموعة السبع» من حيث الناتج المحلي الإجمالي المحسوب على أساس تعادل القوة الشرائية، مما يشير إلى تزايد أهميته كقوة اقتصادية.

وما زال الهدف من «بريكس» مختلفاً فيه بحسب زوايا النظر؛ إذ يُنظر له من البعض على أنه تحدٍّ للهيمنة الغربية في الحوكمة العالمية، في حين يراه البعض الآخر منصة تعاون اقتصادي بين دول يمكنها الإسهام في ازدهار العالم... هذا الاختلاف المعقد مدفوع باختلاف وجهات نظر أعضاء «بريكس»؛ فبينما تدعو بعض الدول الأعضاء، لا سيما روسيا والصين، إلى موقف أكثر صراحة في معارضة الغرب، يفضّل البعض الآخر، مثل الهند والبرازيل، نهجاً متوازناً يسمح لهم بالتفاعل مع القوى الشرقية والغربية على حد سواء. هذا التوجه المختلط حافظ على «بريكس» من أن يكون منافساً مباشراً لـ«مجموعة السبع»، بل يسعى لخلق منصة يمكن للاقتصادات الناشئة من خلالها إيجاد قوة جماعية، حيث عززت قمة قازان دور «بريكس» في الدفع نحو نظام عالمي أكثر إنصافاً يتحدى هيمنة الولايات المتحدة دون السعي بالضرورة إلى خلق كتلة موازية.

من النقاشات الرئيسية في «بريكس»، وهي التي يحاول الكثير التركيز عليها، موضوع تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي؛ فخلال قمة قازان برزت مناقشات حول نظام دفع قائم على «البريكس»، واستخدام متزايد للعملات المحلية، مما سلط الضوء على نية المجموعة إيجاد بدائل للأنظمة المالية الغربية، وخاصة نظام «سويفت» الذي تم استبعاد روسيا منه بسبب العقوبات. ومع ذلك، فإن إمكانية تحقيق «التخلص من الدولار» محدودة بالتحديات الفنية والاقتصادية؛ إذ تواجه التسويات بالعملات المحلية مشكلات مثل السيولة واستقرار العملة، وبينما يمكن أن يكون اليوان الصيني ركيزةً، فإن عدم قابلية تحويله بحرية يعقّد مسألة اعتماده على نطاق واسع. علاوة على ذلك، يجعل اعتماد بعض الدول الأعضاء على الدولار في التجارة والاستثمار العالميين من التحول الفوري أمراً صعباً.

يبقى أن العلاقة بين الهند والصين تشكل عاملاً حساساً قد يؤثر على مسار «بريكس» المستقبلي؛ فبينما عادت الدولتان للانخراط دبلوماسياً، والتقى الرئيسان الهندي والصيني وجهاً لوجه لأول مرة منذ خمس سنوات، لا تزال النزاعات الحدودية القديمة وأولويات السياسة الخارجية المتباينة، تخلق التوترات، وتتعارض علاقات الهند المتزايدة مع الدول الغربية بشدة مع الشراكة الاستراتيجية للصين مع روسيا. ولو تمكنت الهند والصين من تجاوز خلافاتهما، فمن المحتمل أن تعززا تماسك وفاعلية «بريكس». ومع ذلك، فإن استمرار الخلاف يهدد بتقسيم التكتل إلى فصائل، مما يقلل من تأثيره الموحد على الساحة الدولية.

أثار توسع «بريكس» تساؤلات حول هدفه الأساسي: هل هو منصة اقتصادية أو تحالف سياسي؟ في حين تشير أوجه التعاون الاقتصادي، مثل إنشاء بنك التنمية الجديد، إلى تركيز على التنمية، فإن الدوافع السياسية أصبحت أكثر وضوحاً؛ فرغبة روسيا والصين في موازنة الهيمنة الغربية قد بدأت في تحويل «بريكس» نحو أجندة سياسية بشكل أكبر، مما قد يجعله منصة للرؤى غير الغربية. ومع تقدم «بريكس»، فإن نجاحه سيعتمد على قدرته في الحفاظ على التعاون الاقتصادي دون الوقوع في الانقسامات الداخلية، أو الظهور ككتلة معادية للغرب؛ وبالتالي الحفاظ على هويته الأساسية كمدافع عن عالم متعدد الأقطاب. والإعلان عن رغبة أكثر من 20 دولة للانضمام إلى التكتل، لا يعني زيادة القوة لـ«بريكس» بكل حال؛ فقد يعني المزيد من التعقيد في التوجهات السياسية وموازنة رغبات الدول في مستقبل التكتل.