علي عبيد الهاملي
شاركت الأسبوع الماضي في فعاليتين، الأولى في مدينة العين، والثانية في مدينة الشارقة.
في الفعالية الأولى التي كانت ضمن مهرجان العين للكتاب، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، تجلت «النوستالجيا» من خلال الحنين إلى الماضي، متمثلاً في سرد تاريخ برامج «مجالس الشعراء» التي كانت تقدمها تلفزيونات الدولة منذ تأسيسها، قبل أن تتوقف هذه البرامج، وتصبح جزءاً من الماضي.
ولا تعود القنوات التلفزيونية تضعها على خريطة برامجها بعد دخولها مرحلة البث الفضائي، واستهدافها جمهوراً آخر غير الجمهور الذي كانت تستهدفه في بداية بثها، ودخول عامل الربح التجاري ضمن أهدافها.
وفي الفعالية الثانية، التي نظمتها الجامعة القاسمية في الشارقة بالتعاون مع وكالة أنباء الإمارات، تجلت «الفيوتروبيا» من خلال النظرة المستقبلية تجاه الإعلام، في المؤتمر الدولي لكلية الاتصال بالجامعة، والذي جرت فعالياته على مدى يومين تحت عنوان «صناعة المحتوى بين الإعلام المؤسسي ووسائل التواصل الاجتماعي - إشكالية التكامل والتنافس».
«النوستالجيا» التي استخدم مصطلحها اليونانيون القدماء لوصف الحنين إلى الماضي تنطبق في جانبها الإيجابي على الحالة التي رأيتها في قلعة الجاهلي بالعين، حيث أقيمت الفعالية التي ناقشت الدور الذي لعبه التلفزيون ووسائل الإعلام المختلفة في الحفاظ على الشعر الشعبي.
وفي جلسة محاكاة لمجلس شعراء دبي، قدمها الشاعر راشد شرار، بمشاركة عدد من شعراء المجلس السابقين، استعاد الحضور من خلالها ذلك البرنامج التراثي الجميل الذي كان يستقطب فئة كبيرة من مشاهدي تلك الفترة التي كان يُقدّم فيها، والذي لعب دوراً كبيراً في إبراز المواهب الشعرية، التي كانت شابة في تلك الفترة، لتغدو اليوم من رموز الشعر الشعبي داخل الإمارات وخارجها.
أما «الفيوتروبيا» المتمثلة في الخوف والقلق من المستقبل، فقد تجلت في المخاوف والتحديات التي قد تواجه وسائل الإعلام، والتي تمت مناقشتها في المؤتمر الدولي للجامعة القاسمية عبر عدد من الأوراق البحثية حملت عناوين جاذبة.
واشتملت على مضامين مهمة، صبت كلها في اتجاه فك الاشتباك المتخيل بين الإعلام المؤسسي ووسائل التواصل الاجتماعي، والخلاف حول أيهما أكثر تأثيراً في المتلقي، وعوامل النجاح والفشل التي تحيق بالرسالة الإعلامية في ظل ما يشهده العالم من تطور لافت في تقنيات الوسائل الإعلامية المؤسسية ووسائط التواصل الاجتماعي.
ولا شك أن مخرجات المؤتمر ستصب في صالح وسائل الإعلام المؤسسي ووسائط التواصل الاجتماعي على حد سواء، خاصة من ناحية صناعة المحتوى، على النحو الذي يحقق التكامل بينهما في إطار من التنافس المشروع.
ما بين «النوستالجيا» و«الفيوتروبيا» تتكامل الفعاليتان، لتعزفا على وترين متجاورين؛ وتر الحنين إلى الماضي برومانسية طاغية، ووتر التطلع إلى المستقبل بإيجابية نحتاجها في زمننا هذا، بعد التحول الكبير الذي مرت به مجتمعاتنا خلال العقود الأخيرة، التي شهد العالم فيها ثورة تكنولوجية معرفية أطاحت بالكثير من المفاهيم والقواعد التي كانت سائدة، والتي أعتقد المتمسكون بها أنها غير قابلة للكسر ولا مجرد الخدش.ولكن هل تم كسر هذه المفاهيم والقواعد أو خدشها فعلاً؟
ثمة آراء متعددة تشارك في الرد على هذا السؤال. بعضها يقول إن التطور السريع والهائل الذي حدث في مجتمعاتنا جعل فريقاً يعتقد أن «النوستالجيا» تبدو مرضاً أو حالة من حالات الاكتئاب، مثلما كان البعض يصنفها في بدايات الحقبة الحديثة، على عكس ما أظهرت دراسات أثبتت أن لها فوائد صحية رغم ألم العاطفة الذي يتسبب به الحنين إلى الماضي، من هذه الفوائد أنها تشحن الإنسان بطاقة إيجابية لأنها تثير العواطف بشدة، ومنها الشعور بالانتماء والرضا النفسي، وإثارة الإلهام، وتعزيز التفكير الإبداعي والتفاؤل.
وكما أن للفيوتروبيا أضراراً، منها الضغط النفسي والتشتت والخوف من المخاطرة، فإن لها فوائد، منها التحفيز، والتخطيط، وتطوير المهارات، واكتساب معارف جديدة لمواجهة التحديات المستقبلية.
لهذا فإن المزج بين «النوستالجيا» و«الفيوتروبيا» مطلوب كي تمضي الأمور دون شعور بالفراغ العاطفي الذي قد يعاني منه الإنسان في مراحل حياته المختلفة، لا سيما المتأخرة منها، ودون خوف أو قلق من المستقبل، فمد الجسور بين الماضي والحاضر ضروري للعبور بأمان إلى المستقبل.
كاتب وإعلامي إماراتي
التعليقات