ما بين 27 أيلول (سبتمبر) تاريخ اغتيال إسرائيل للسيد حسن نصرالله و8 كانون الأول (ديسمبر) تاريخ الفرار المذهل لطاغية سوريا بشار الأسد "حبل صرة" يستحيل عزل السقوط المدوي الخاطف لنظام البعث السوري الأسدي عنه. كان "حزب الله" بقضه وقضيضه وألوف من عناصره الذين قضوا في سوريا الركيزة الأساسية التي أخّرت وأرجأت سقوطاً كان حتمياً لنظام بشار منذ سنوات وأطال بحبل بقائه على أنقاض ملايين الضحايا والنازحين والمهجرين في بلادهم وبلدان المحيط السوري ولا سيما منها لبنان والأردن وتركيا، ناهيك عن ألوف السجناء وضحايا أحد أسوأ الأنظمة القمعية الديكتاتورية في العالم العربي والعالم، بل كان خردة حقيقية للسلطة القمعية. اغتيال نصرالله مقترناً بنكسات تاريخيّة أصابت حزبه تحت وطآة أسوأ خطأ تاريخي ارتكبه هذا الحزب بقيادة أمينه العام السابق في إشعال "حرب المساندة" ضد إسرائيل تحول فجر اليوم، مع نهاية مزلزلة لـ24 عاماً من حكم بشار و54 عاماً من نظام البعث الأسدي، إلى ما يتجاوز الحدث الكاسر إذ شكل العلامة الأشد دراماتيكية ورمزية كأنها من علامات تبدل الأزمنة التي تروى في الأساطير. بشار الذي كابر وعاند إلى حدود الانسحاق والفرار المذل، أعاد العرب والعالم إلى حقيقة "أيقونية" أن هذا الطراز من الطغاة، ومن الحكام الديكتاتوريين، لا يتقن الا هذا النمط من السقوط الفوضوي الدامي. لم يسقط بشار اليوم، سقط منذ اللحظة الأولى التي انسحب فيها جيشه ومخابراته وعسسه وكل منظومة تبعيته، في نيسان (أبريل) 2005 من لبنان تحت لعنة كل من قاوم وصايته واحتلاله للبنان. منذ ذاك التاريخ كان عليه أن يدرك أن اللعنة التي سالت فيها دماء شهداء الاغتيالات، شهداء ثورة الأرز، ونحن الآن عشية الذكرى الـ19 لاستشهاد جبران تويني الذي شكل مع سمير قصير ذروة دامية غير مسبوقة لشهادات الفكر والصحافة والقلم في مواجهة أعتى ظلامية لنظام طاغية وحلفائه المحليين، ان تلك اللعنة ستطارده إلى دمشق. اشتعلت سوريا بعد سنوات بثورة دموية استقطبت الى سوريا أسوأ ما حل ببلدان "الربيع" لجهة التدخلات الإقليمية والدولية، وما وجدت سبيلاً الى النظام الذي اعتاد سحق الأحرار في سوريا كما في لبنان فيما أسعفته تقاطعات مصالح الأعداء والحلفاء في مجرد البقاء وتمديد البقاء، في حين كانت غزة ولبنان في قلب العاصفة. اختبأ الأسد طويلاً ولم يتسبب بأي إزعاج لإسرائيل طوال سحقها لغزة ومن ثم تفرغها لـ"حزب الله" الذي تكبد ألوف الضحايا من عناصره دفاعاً عن النظام على أرض سوريا. سواء بسواء اندفعت "الأقدار" المصنوعة بقرارات المكابرة إياها هنا وهناك ولا من يعترف ولا من يراجع ولا من يقر، ولو على ركام صور وتماثيل ونصب حافظ الأسد وبشار الأسد تتهاوى وتتمزق وتطوي صفحة نظام اهترأت معه ما كانت تصنف يوماً بإحدى أهم الدول الاستراتيجية في الشرق الأوسط. في لعنة لبنان اذن، من مقلبين، مقلب حليف أصابته الأنواء بمَقاتل، ومقلب خصم قاوم وصاية احتلالية ظلامية وأصابته بمواجع الشهداء، ذهلنا أمام الفرار الخاطف والسقوط الخاطف لنظام استأسد لخمسة عقود على ضحاياه فقط. إنها حقيقة يستحيل طمسها وحجبها أن الساعة لا بد آتية في سياسات وحسابات وأحداث كارثية كهذه. ما سمي الربيع حولوه إلى شلالات دماء. ننحني أمام ذكرى جبران وشهداء الأرز وكل شهداء الطغاة…
- آخر تحديث :
التعليقات