جاء في معجم الخليل بن أحمد الفراهيدي (170هـ) المعروف بكتاب (العين) وهو رائد معاجم اللغة: «وتضيفت فلاناً: سألته أن يضيفني (...) ويجمع الضيف على: ضيوف، وضيفان. وفي لغة: هي ضيف، وهو، وهما، وهم، وهن ضيف، قال الله -عز وجل- «إن هؤلاء ضيفي». ومما ذكره الخليل حول هذه الكلمة استعمال لفظة (الضيافة)، يقول: «وضفت فلاناً: أي نزلتُ به للضيافة، وأضفته: أنزلته». ومعروف معنى الضيافة في أعراف العالم البشري، وهي أكثر معرفة لدى العربي الذي هو من أكثر الناس حرصاً عليها، وتقديراً لها، غير أنني إنما سقتُ هذا الشاهد المعجمي عند الخليل لأشير إلى أن كلمة (الضيافة) ليست مصطلحاً معاصراً، أو ناشئاً، وإنما كانت جذوره أصيلة وممتدة منذ زمن بعيد.

وقد أولت شريعتنا السمحة الضيف قيمةً عالية، واهتماماً بالغاً؛ فهو إنسانٌ ذو تقدير واحتفاء. واحترامه، والاعتناء به له أشكال كثيرة، وضوابط متنوعة؛ ولقيمة مبدأ الضيافة، فقد وجدنا ذكر الضيف في القرآن الكريم في غير موضع، فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى في سورة (الحجر) عند ذكر قصة لوط عليه السلام: (قَالَ إِنَّ هؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68))، وقال تعالى في سورة (الذاريات) في ذكر قصة إبراهيم عليه السلام: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)). وجاء في تفسير الإمام أبي مُحَمَّدٍ الحُسَينُ بْنُ مَسعُودٍ بْنِ مُحَمَّدٍ البَغَوِيّ (516ه): «قيل: لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة، وضيف الكرام مكرمون. وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بتعجيل قراهم، والقيام بنفسه عليهم بطلاقة الوجه»، وهذه من أدبيات الضيافة التي أصّل لها الشارع الحكيم.

والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أكرمُ الناس، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس»، رواه البخاري. وعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناسِ بالخير»، رواه البخاري. وكان من وصف خديجة -رضي الله عنها- للنبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف»، رواه البخاري. وفي ذلك ما يدل على اعتناء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالضيف، واهتمامه بمبدأ الضيافة.

كما نصّ رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في غير موضع على (الضيف)، وضرورة تكريمه، والقيام بواجبه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ»، أخرجه البخاري ومسلم.

وفي الأدب العربي: شعره، ونثره، نماذج كثيرة تحثّ على الاعتناء بالضيف، وتقديره، وتوقيره، والحرص على إكرامه، وبذل كل شيء من أجل إرضائه: «فِراشي فِراشُ الضَيفِ وَالبَيتُ بَيتُهُ..»، و»أُضاحك ضيفي قبل إِنزال رحله..». وألّف بعض العرب قديماً في أدب الضيافة على نحو ما صنع الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (285ه) في كتابه (إكرام الضيف).