إحدى أبرز مميزات قمة الإعلام العربي، التي انعقدت الشهر الماضي في دبي، أنها تمد المشاركين ودوائرهم بوجبات مكثفة، يسميها الناطقون بالإنجليزية «طعام من أجل التفكير»

هي وجبات فكرية يحملها معهم الحضور وهم عائدون إلى بلدانهم وأعمالهم، ويطلع عليها كذلك المتابعون والمهتمون بشأن الإعلام، وما يتصل به من سياسة ودبلوماسية واقتصاد، وتغيرات مجتمعية عديدة.

لم نعد عند مرحلة البحث في نوايا الذكاء الاصطناعي، وهل هو خير مطلق أم شر كامل؟ أو هل نستكشفه ونستخدمه، أم نتجاهله وننكر وجوده؟! تخطينا هذه المرحلة منذ زمن، وتعريف الزمن في عصر الذكاء الاصطناعي ليس عقوداً أو سنوات، بل يمكن أن يكون أشهراً، وأحياناً أيام.

نكاد نرى التحول نحو استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات لم تطرأ على بال أو خاطر حتى سنوات قليلة مضت، من الحروب والصراعات، حيث عمليات الهجوم السيبراني وتحليل البيانات العسكرية، وتتبع تحركات العدو والمسيرات وغيرها، إلى كتابة المقالات والأوراق البحثية أو على الأقل إمداد الباحث بالمعلومات ومقترحات المصادر، إلى الروبوتات الجراحية والتدخلات الطبية، إلى التعليم ومنصاته، والعمل سواء عن بعد أو عن قرب، وصناعة المحتوى وغيرها الكثير.

وعلى ذكر صناعة المحتوى، يتحدث البعض عن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية، من تحليل البيانات، إلى الخروج بمقالات أو محتوى يتنبأ بالمجريات بناء على البيانات، وكذلك تجهيز المعلومات التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية للزعماء والساسة والمسؤولين، لتساعدهم في رسم السياسات الخارجية والعلاقات الدبلوماسية بشكل كفء، بدأ البعض يستكشف هذه الاستخدامات، ويفترض أن توفر هذه «الخدمات»، التي يقدمها الذكاء الاصطناعي الكثير من الوقت والجهد والمال في عمليات صناعة القرار الدبلوماسي والسياسي.

ركزت القمة هذا العام على دور الذكاء الاصطناعي، وهو تركيز كان لا بد منه، وحين تحدث المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي في دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي الدكتور مروان الزرعوني في جلسة «الذكاء الاصطناعي بين الوهم والحقيقة»، دق على وتر بالغ الأهمية، ألا وهو أن تبني عدد من الدول، وعلى رأسها الإمارات، للذكاء الاصطناعي في شتى القطاعات ليس سوى بداية للتطور القادم، وهو ليس مجرد موجة عابرة، بل واقع تتمدد استخداماته في حياة الجميع، كما أشار إلى الفجوة التي سيشعر بها الجميع بين مستخدمي الذكاء الاصطناعي وغير المستخدمين، وهي فجوة تتسع بوتيرة متسارعة، مع تفوق واضح في قدرة المستخدمين على إنتاج محتوى أكثر دقة وعلى درجة أوفر من الكفاءة.

وهنا تأتي الوجبات الفكرية، التي نصطحبها معنا بعد انتهاء القمة. بعض مكونات هذه الوجبات أسئلة نسعى للعثور على إجابات لها، وبينها ما ينتظر الإجابة في القمة المقبلة. ماذا عن دور الذكاء الاصطناعي في إنهاء الحروب والصراعات، لا استخدامه لتأجيجها أو لترجيح كفة طرف على آخر؟! هل يمدنا الذكاء الاصطناعي بأدوات تمكننا من تفعيل أسرع للسلام، وإنهاء ما يحيط بنا من صراعات؟

تطرق باحثون إلى دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالصراعات قبل اندلاعها فعلياً، وذلك عن طريق تقصي والتعرف على العلامات المبكرة للصراع، مثل تعاظم التوتر أو نقص الموارد الشديد، أو نبرة كراهية وعداء تتصاعد، وتتسع رقعتها على منصات «السوشيال ميديا»، وغيرها.

ويبدو أن دور الذكاء الاصطناعي المأمول في إنهاء الصراعات لا يتوقف عند حدود الإنذار المبكر، أو مجابهة المعلومات المغلوطة والأخبار المفبركة، التي تؤجج الخلاف وقد تنتهي إلى حرب. بصيص أمل يطل عبر قدراته في مجالي الوساطة ومجابهة الإرهاب.

هذه الاستخدامات التي نحتاج إليها بشدة تحتاج إلى المزيد من البحث والمعرفة، لتعظيم الاستفادة منها، لعلها تفيد في الصراعات المشتعلة حولنا. أنظمة دعم القرار الذكية، وتقديم النصيحة العلمية المدروسة حول جوانب بعينها في الصراع مثل أسبابه، وعوامل تأجيجه، وسبل إنهائه.

ونعود إلى الأسئلة، ما سبل التأكد من صحة وموضوعية البيانات والمعلومات، التي قد يستعين بها المفاوضون والساسة وخبراء تفكيك الصراعات، وذلك لضمان استدامة إطفاء الصراعات، والقيام بذلك بعدل وكفاءة وموضوعية؟