رغم كل مآسي الشرق وكوارثه السياسية والاجتماعية، وطريقته في فهم الأديان وشعائرها، فان فيه ما يضحك حتى البكاء من ممارسات مستنسخة بغباء لا نظير له، سواء في العادات أو في التقاليد الهجينة، وفي طريقة ممارسته النمط الغربي لتداول السلطة، كما يحصل الآن في البلاد التي اكتسحها ما سمي ظلما بالربيع العربي، والمثير للسخرية أكثر من عملية وصول مرشحي شيوخ العشائر ورجال الدين ومرجعياتهم، هو انغماس كوادر أكثر الأحزاب السياسية شمولية ودكتاتورية في هذه الممارسات، بل وإنها المعادية لتلك الأنماط من تداول السلطة، ترفع شعارات الديمقراطية الغربية وتساهم فيها وفي ما تنتجه من مؤسسات للحكم، كما حصل ويحصل في العراق، حيث تحول الكثير من قيادات الأحزاب الإسلامية والشيوعية والبعثيةالذين عرفوا بشمولية عقيدتهم السياسية، وشرعية دكتاتورية طبقة أو دين أو حزب ومن خلالهم بالرفيق القائد وان اختلفت الأسماء والعناوين، حيث تحولوا بقدرة قادر إلى دعاة ومشاركين أساسيين في اللعبة، وتحت مسميات عديدة وتبريرات كوميدية فاضحة على غرار أسبح مع التيار حتى يضعف فانقلب عليه!
لقد ابتدأت أولى فصول الكوميديا الديمقراطية على مسرح العراق، بعد احتلاله من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة، وأسقطت نظام الرئيس صدام حسين وحزبه الذي حكم البلاد ما يقرب من أربعين عاما، دفع فيها العراقيون ملايين من الضحايا والمهاجرين بسبب اعتراضهم على نمط وأسلوب حكم البعث ودكتاتوره، هذه الفصول التي انتقلت تباعا إثر إحراق احد العمال لنفسه احتجاجا على طغيان زين العابدين بن علي في تونس، إلى دول إهترأت إداريا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا بسبب الحروب العبثية أو الحصارات الدولية او الفشل الاقتصادي، خلال ما يقرب من نصف قرن في كل من ليبيا وسوريا واليمن ومصر، حيث بذلت العديد من الدول العظمى جهودا كبيرة لإضعافها ومن ثم إسقاطها، كما حصل في العراق وبعده بسنوات في ليبيا ومصر ويحصل الآن في سوريا واليمن.
المسرح الذي يلعب على خشبته رجال السياسة البدلاء لاؤلئك الذين تساقطوا سواء بالتحالفات الدولية ( العراق، ليبيا، اليمن ولاحقا سوريا ) أو على غرار ما حصل في تونس ومصر، وما تمت حياكته في دهاليز لا تبتعد كثيرا عن مراكز القرارات الحاسمة إقليميا وعالميا، هذا المسرح اعد وصمم على الطريقة الغربية سواء في بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا وكندا، لكي يتم إخراج الكوميديا الديمقراطية الشرقية المعبقة بأريج القهوة وأفياء الخيمة وصدى المنابر والمراجع، وما يترتب على ذلك من انتماءات يتحكم فيها كم هائل من العادات والتقاليد المتكلسة في نخاع العظم، والتي لا يمكن فيها تجاوز حدود العشيرة وشيخها، ورجال الدين ومذاهبهم ومرجعياتهم، وخير دليل على ذلك ما أنتجته انتخابات العراق منذ 2005 ولحد يومنا هذا وربما إلى أن يشاء الله.
وبنظرة سريعة لكل منا على السيرة الذاتية الحقيقية وليست المفبركة لغالبية من احتلوا كرسيا في السلطات الثلاث، وخاصة التشريعية والتنفيذية، سيدرك مدى الكارثة والفاجعة التي ألمت ببلادنا في منح علاج غربي لمريض شرقي لا يتلائم إطلاقا مع نوع وشكل وأعراض المرض الذي نعاني منه، ففي الوقت الذي لم يكتمل بعد مفهوم متفق عليه للمواطنة، ومجتمع يعاني في غالبيته من انتماءات وولاءات اجتماعية ومناطقية ودينية ومذهبية من أي انتماء جامع لمفهوم الوطن والأمة، تقرر النخبة الحاكمة الذهاب إلى صناديق الاقتراع في مجتمعات القطيع التي تحركها أنظمة القبيلة وشيوخها، والدين والمذهب ورجالاته وفتواهم المختومة من الرب، لكي تمنحنا المشهد الذي نراه اليوم بعد ثلاث دورات من برلمان الكوميديا الديمقراطية.
وبعد مراجعة كل منا في قريته أو بلدته أو محلته في المدينة، السيرة الذاتية لمندوبي تلك المناطق ممن احتلوا كرسيا في البرلمان أو مقعدا في الحكومة تتبادر عشرات الأسئلة، ولكن الأكثر مرارا وربما اشمئزازا:
- هل أن هؤلاء النواب أو الوزراء فعلا يمثلون الشعب، لولا الوسائل القبلية والمذهبية أو الدينية والعنصرية؟
- وهل أن الشمولية في المجتمعات المتخلفة خارجة عن السياق العقلاني كليا؟
- وهل أن الدين ( أي دين ) ما يزال هو الحل كما يتصور أصحاب الأفكار السياسية الدينية؟
- وأخيرا هل مازلنا مصرين بأن الديمقراطية هي الحل الأمثل لمشاكل مجتمعاتنا؟
وحتى نجد ملامح الطريق علينا أولا بفك الاشتباك والتداخل بين كل المكونات المتصارعة، لكي يختار كل مكون الطريق الذي يراه مناسبا للوصول الى مفهوم المواطنة ومن ثم بناء نظامه السياسي والاجتماعي.
التعليقات