يعاني العالم العربي الكثير من الظواهر الشاذة والخطرة، ومن بين هذه الظواهر الخطرة على المجتمعات العربية ظاهرة اصدار الفتاوى الشرعية من قبل بعض المشايخ ثم التراجع عنها لاحقا بحجج واهية. وقد تعرض لهذه الظاهرة الاستاذ "علي سعد الموسى" في مقالته الرائعة بعنوان "تحولات الفتوى: من فمي أستاذي جامعة"، التي نشرت في جريدة الوطن السعودية، يوم الاحد 22 يناير الماضي.
في المقالة المشار اليها، ذكر "الأستاذ علي" تراجع اثنين من المشايخ عن فتاويهم السابقة. الاول هو "الشيخ محمد العريفي" الذي تراجع عن فتواه السابقة بخصوص "تنظيم القاعدة" التي كان يرى فيها ان "القاعدة" لم يلجأ للتكفير المطلق في العموم، وانه كان يعرف هذا المنهج من خلال بعض لقاءاته في المناصحة مع بعض افراد التنظيم. وبعد مضي الزمن، تراجع عن فتواه برأي معاكس مبررا ذلك بالقول: "بعد ما اتضح لي ومن خلال القراءة في أفكار هذا التنظيم وجدته يلجأ للتكفير بلا ضوابط، ولهذا اتراجع عما قلت عنه من قبل".
اسأل "الشيخ": هل تبدلت أفكار هذا التنظيم لاحقا؟ المعلومات تقول غير ذلك، هم على ما هم عليه سابقا وحتى الان.
اما الثاني فهو "الشيخ سعد الدريهم" الذي غير قناعاته السابقة حول حرمة قيادة المرأة للسيارة، حيث قال في برنامج المواجهة: "كان لي قناعات وموقف معارض من قيادة المرأة للسيارة ولكني غيرتها الآن وصار لي موقف آخر، ذاك ان قيادة السيارة كالدابة في العصور السابقة، وان قيادة المرأة للسيارة بيد ولي الأمر ولا يوجد مانع شرعي، وسأكون من المبادرين في الحي بشراء سيارة للأسرة إذا صدر الأمر من ولي الأمر".
اسأل "الشيخ": هل كنت بحاجة لكل هذه السنوات لتكتشف ان السيارة كالدابة أداة او وسيلة للتنقل ونقل الحاجيات؟ هل كان هذا الأمر "الدنيوي" بهذه الصعوبة عليك حتى يستغرق منك هذا الوقت الطويل لتغيير قناعاتك ومواقفك؟ الدين لا يخضع للأهواء الشخصية والأعراف والتقاليد.
سوف اضيف الى ما تطرق له "الأستاذ علي"، حالة أخرى وهي تراجع "الشيخ يوسف القرضاوي" عن فتواه بجواز العمليات الانتحارية، وذلك في اللقاء الذي اجراه معه "الشيخ سلمان العودة" وبثته قناة "الحوار"، ولم يكن تراجعه عن فتواه تراجعا كاملا وانما جعلها منوطة بالضرورة، أي ترك تقدير تلك الضرورة الى المنتحر الذي يفخخ نفسه ليقتل رجال الأمن والأبرياء من المدنيين بهدف إقامة دولة الإسلام ومقاومة الكفر.
أسأل "الشيخ": هل تراجعك هذا سوف يداوي جروح الأمهات اللاتي فجعت قلوبهن بفقدان فلذات اكبادهن حين صدقوك ونفذوا فتواك، على امل ان يتعشوا مع الرسول – صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وان ينعموا بالحور العين كما وعدتهم؟ هل تراجعك سوف يعيد الحياة الى الألاف من الضحايا الذين ازهقت ارواحهم بسبب هذه الفتوى؟
ما الفائدة من هذا التراجع بعد استقرت هذه الفتاوى في عقول وقلوب عشرات الألاف من المسلمين المغرر بهم، وفي بطون الكتب. الفتوى هي اشبه بالرصاصة، متى ما انطلقت من فوهة البندقية لا يمكن ايقافها او تغيير وجهتها. الفتوى كالوصفة الطبية، إذا كانت خطأً تكون عواقبها وخيمة وقد تكون قاتلة. ماذا سيحدث لو ان هؤلاء الشيوخ – اطال الله في أعمارهم – ماتوا قبل ان يراجعوا فتاويهم؟ ستبقى هذه الفتاوى تتناقلها الأجيال حتى تقوم الساعة. (لا تسيئوا الظن بي فالموت حق على العباد).
لا زلت اذكر قولا رائعا للكاتب "الأستاذ عبد الله باجبير" في مقالته الرائعة بعنوان "فوضى الفتاوى" المنشور في صحيفة "الاقتصادية الإلكترونية – العدد 4669 بتاريخ 24/7/2006م"، حيث قال: "إن من أسباب تأخر الأمة الإسلامية في مختلف اقطارها هذه الفتاوى التي تصدر بلا ضابط ولا رابط، فكل من قرأ كتابا او حتى قرأ في صحيفة شيئا عن الدين والشريعة أصبح يفتي فيما يعلم وفيما لا يعلم، وهكذا أصبحت الفتوى شغلة من لا شغلة له وعمل من لا عمل له".
المسلمون جميعا يعلمون ان الدين "حمال اقوال" كما قال عنه "الإمام علي – عليه السلام"، وانه منذ أفول الخلافة الراشدة وحتى يومنا هذا، أصبحت الفتاوى الشرعية مدفوعة الأجر تصدر من فقهاء السلاطين، حسب حاجة واهواء سادتهم من سلاطين الظلم والجور.
التعليقات