"كلنا داعش" عنوان لمقال، كتبه وزير إعلام كويتي سابق( سعد بن طفلة العجمي) نشر في صحيفة "الشرق" القطرية بتاريخ 7 آب 2014 يقول فيها:" الحقيقة التي لا نستطيع نكرانها، أن داعش تعلمت في مدارسنا وصلّت في مساجدنا، واستمعت لإعلامنا، وتسمّرت أمام فضائياتنا، وأنصتت لمنابرنا، ونهلت من كتبنا، وأصغت لمراجعنا، وأطاعوا أمراءهم بيننا، واتبعوا فتاوى من لدنا..".. يضيف" باختصار، نحن جميعا داعش، نحن الذين خلقناها وصنعناها وربيناها وعلمناها وجندناها وشحناها وعبأناها ثم وقفنا حيارى أمام أهوالها التي صنعناها بأيدينا..". كلام الوزير العجمي، فيه الكثير من الصراحة والجرأة ووصف دقيق للواقع العربي والاسلامي، لم نعتاده من المثقف العربي المسلم، في اكثر الدول العربية والاسلامية حرية وديمقراطية. للأسف، جميع المؤسسات والمرجعيات والسلطات الحكومية والدينية في العالمين( العربي والاسلامي)، تتجاهل هذا الواقع، تتهرب من مسؤوليتها الوطنية (القانونية والاخلاقية) عن نمو الفكر الاسلامي المتطرف ونشأة التنظيمات والمجموعات الاسلامية الجهادية السلفية المتشددة، التي أعادت بالمنطقة الى زمن الحروب والغزوات العربية الاسلامية الأولى.
في مصر ، في الوقت الذي يتعرض مواطنيها الأقباط المسيحيين في منطقة سيناء لهجمة وحشية ولعمليات تطهير عرقي وديني على ايدي عصابات(بيت المقدس) التي بايعت داعش، أشاد البيان الختامي لـ"مؤتمر الأزهر الدولي للحرية والمواطنة" الذي احتضنته القاهرة يومي (28 شباط و1 آذار الجاري) بما وصفها بـ"العلاقة التاريخية وتجارب العيش المشترك والمثمر على قاعدة المواطنة الكاملة حقوقاً وواجبات، في مصر والدول العربية الاسلامية". كيف يستقيم الحديث عن المواطنة والدولة المدنية والعيش المشترك ، مع نظام حكم يضطهد أكثر من 10مليون مواطن قبطي ويحرمهم من حقوق المواطنة الكاملة ؟؟.أي عيش مشترك وتسامح ديني هذا الذي في مصر ، ومشيخة الأزهر والحكومة المصرية يلتزمان الصمت والسكوت حيال شتم وتحقير المسيحيين واليهود ونعتهم بـ" أحفاد القردة والخنازير" نهاراً جهاراً ومن على منابر ومآذن المساجد في مختلف المدن والبلدات المصرية و لا يحركان ساكناً حيال "قنابل الفتاوى"، التي يطلقها مشايخ السلفية المصرية في وجه اقباط مصر ويكفرونهم ، يُحَرمون على المسلم تهنئتهم بأعيادهم الدينية ويدعون لمقاطعتهم اقتصادياً واجتماعياً ؟؟. الخطاب الديني لشيخ الأزهر لا يختلف كثيراً عن خطاب مشايخ السلفية برفضه تكفير داعش ، متعللاً بعدم جواز تكفير المسلم لطالما هو ينطق بالشهادتين، مهما بلغت سيئاته وجرائمه. أي إيمان لمسلم، ينحر الرقاب، يحرق الأحياء، يغتصب النساء، وهو يهتف باسم الله الأكبر؟. إصرار الأزهر على عدم تكفير داعش وغيرها من التنظيمات الاسلامية الارهابية هو بمثابة دعم ومباركة رسمية من اعلى المرجعيات الاسلامية السنية في العالم(مشيخة الأزهر) ومن خلفها اهل الحكم في مصر، لإرهاب داعش ضد أقباط مصر وضد عموم مسيحيي المشرق. أن الانتقاص من حقوق فئة من المواطنين والانتقاص من كرامتهم ومكانتهم الوطنية لأسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية أو هويتهم الاثنية أو المذهبية، يوفر الحجج والذرائع لقوى الشر والتطرف الديني التعدي عليهم واستهدافهم وشحن المجتمع بالكراهية الدينية والعرقية ضدهم تمهيداً لممارسة العنف الديني الطائفي ضدهم . تنظيم الدولة الاسلامية وغيره من التنظيمات الاسلامية المتشددة لم تأت من كوكب آخر . هي حصيلة موروث تاريخي عربي اسلامي متخلف مجبول بالدم منذ قتل أول خليفة في الاسلام (عمر بن الخطاب)، ونتاج بيئة مجتمعية ومناهج ثقافية تربوية دينية للأجيال العربية الاسلامية. فما المنتظر من مقررات ومناهج مدرسية تمجد قادة الغزوات والحروب الاسلامية ومحشوة بالأفكار الظلامية تمجد الغزو والقتل والذبح ؟.مناهج لا علاقة لها بروح العصر وقيم ومفاهيم المدنية والحداثة مثل( الديمقراطية والعدالة واحترام الآخر والإخلاص والتسامح وحب الوطن والمواطنة والعلمانية والليبرالية وغيرها). محنة مسيحي المشرق لم تبدأ مع ظهور تنظيم الدولة الاسلامية 2014. داعش هو النسخة الأكثر توحشاً وارهاباً بين التنظيمات الاسلامية المتشددة التي استهدفت مسيحيي المشرق على مدى العقود الماضية. قتل وتهجير اقباط مصر، قبلها قتل وخطف وتهجير آشوريي الحسكةالسورية، ثم خطف وقتل وتهجير آشوريي ومسيحيي نينوى العراقية، جميعها محطات وحلقات جديدة وإضافية في محنة مسيحيي المشرق ، تعزز الاعتقاد لدى بان ثمة مخطط قديم جديد يهدف الى تفريخ المنطقة من العنصر المسيحي المتجذر فيها ، بعد أن تم إفراغها من العنصر اليهودي.
سليمان يوسف يوسف.... باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
التعليقات