"هيلين توماس" رحمها الله، المواطنة الأمريكية من اصول لبنانية، وعميدة صحفيي البيت الأبيض سابقا، التي كانت تغطي الأحداث الامريكية منذ عام 1943م، اذهلت العالم يوم الخميس 27/5/2010م خلال خروجها من حفل في البيت الأبيض للاحتفال بالإرث اليهودي – الأمريكي، حين سألها الصحفي الحاخام اليهودي "ديفيد نيزيانوف" الذي كان موجودا في البيت الأبيض لحضور الاحتفال وكان يحمل كاميرا فيديو، سألها: اين سيذهب اليهود اذا ألحقت هزيمة بإسرائيل في حرب قادمة؟ اجابت "هيلين": أخبر الإسرائيليين بأن يخرجوا من فلسطين ويعودوا الى بلدانهم واوطانهم الاصلية في المانيا وبولندا والولايات المتحدة وغيرها. وأضافت: فلسطين لأهلها العرب الذين عاشوا فيها قبل اكثر من أربعة الاف عام. لماذا ترسلون اليهود الى فلسطين لتقتلوا شعبا عاش هناك قرونا طويلة؟ الإسرائيليون محتلون ومجرمون.
بث الصحفي اليهودي المتصهين تصريحات "هيلين" عبر المواقع الالكترونية، حيث تلقفتها مواقع إخبارية أمريكية ومواقع لمؤسسات يهودية وإسرائيلية، وقاد الحملة ضدها اليهودي المتصهين "آري فليشر" الناطق السابق باسم الرئيس السابق "جورج بوش الإبن" مطالبا بفصلها ومتهما إياها بأنها تطالب بالتطهير الديني. ولميكتف بذلك، بل قام بإرسال رسائل إلكترونية الى كل الصحفيين الذين قد تكون تصريحات "هيلين" غابت عنهم، بهدف تشويه سمعتها على أوسع نطاق داخل وخارج الولايات المتحدة.
قامت الدنيا ولم تقعد في البيت الأبيض، وصرح "روبرت غيت" الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض وقتها: "إن تصريحاتها تستحق العقاب والتوبيخ". واجهت "هيلين" كل هذا الهجوم بصبر وثبات كما هو معروف عنها عند جميع من يعرفونها، وكما عودت زملاؤها الصحفيون على مدى 60 عاما منذ عهد الرئيس "جون كنيدي" الى عهد الرئيس "باراك أوباما". لم تصمت "هيلين" بل ردت الصاع صاعين على اعداءها ومنتقديها، حيث قالت: اليهود يسيطرون على البيت الأبيض والكونغرس، فلا يمكن لأحد ان ينتقد إسرائيل ولا يعاقب، كيف يقولون إنني معادية للسامية وانا من أصول سامية عربية، لقد قلت الحق كله وانا مدركة تماما انني سأدفع الثمن، انا ضد الإرهاب والعنف الإسرائيلي وأتمنى ان ينال الفلسطينيون حقوقهم. اضطرت "هيلين" فيما بعد الى الاستقالة من عملها مع مجموعة "هيرست"، والتقاعد المبكر.
يأبى التاريخ إلا ان يعيد نفسه، ولكن هذه المرة صاحبة الموقف الإنساني المشرف هي امرأة عربية، "السيدة ريما خلف"، الأمينة التنفيذية للإسكوا. ففي يوم الأربعاء الخامس عشر من الشهر الحالي، صدر عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا) تقريرا حمل عنوان "الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطيني ونظام الفصل العنصري"، يتألف من 74 صفحة، إضافة الى ملحقين.
يؤكد التقرير أن إسرائيل أسست نظام "أبارتايد" يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه، وأن الوقائع والأدلة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري "أبارتايد" كما تعرفها مواد القانون الدولي. ورغم أن مصطلح "الأبارتايد" ارتبط في الأصل بحالة محددة هي حالة جنوب أفريقيا، فإنه أصبح يُطلق على نوع من أنواع الجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يُعرّف "الأبارتايد"جريمة الفصل العنصري، بأنه: "أية أفعال لا إنسانية ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام".
ويؤكد التقرير أن "قصد" الهيمنة العرقية يبدو ظاهرا في عدد من القوانين والممارسات الإسرائيلية، بل يبدو النظام الإسرائيلي مصمما لهذا الغرض بشكل جلي في مجموعة القوانين الإسرائيلية، وخاصة مبدأ الدولة اليهودية، وهو ما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك وجود الغرض والمقصد. التقرير يشكل قاعدة تسمح للدول الأعضاء فيما لو أرادت احالة التحقيق على محكمة الجنائيات الدولية، وإحدى توصيات التقرير ان تقوم الدول بهذه الخطوة.
كالعادة، فيما يخص أي تقرير يدين الجرائم الاسرائيلية، قامت الحكومة الأمريكية بالضغط على الأمين العام للأمم المتحدة السيد "أنطونيو غوتيريس" لسحب التقرير. وقام هو بدوره بالضغط على "السيدة ريما خلف" من اجل سحب التقرير، إلا انها رفضت سحب التقرير وفضلت الاستقالة من منصبها لأنها، كما ذكرت في خطاب استقالتها، "لا تستطيع ان تخالف مبادئها الانسانية وضميرها".
في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يمكنك ان تنتقد كل الأديان السماوية وغير السماوية، وان تنكر وجود الله (جلت قدرته وعلا شأنه)، وان تتطاول على جميع الأنبياء والرسل (سلام الله عليهم)، من دون ان يصيبك أي ضرر بحجة حرية التعبير والتفكير. ولكن لا يمكنك ولا يحق لك إنكار ما يروجه اليهود الصهاينة عن تاريخهم المزيف وانهم شعب الله المختار، والحقوق التي أسبغوها على أنفسهم بعد ان سلبوها من أهلها الحقيقيين، وتضخيم ما تعرضوا له اثناء الحرب العالمية الثانية على ايدي النازيين، وإلا كان مصيرك السجن او الاسقاط السياسي والنفي الاجتماعي.
المواقف تجًمل أصحابها وتضعها في إطار يليق بهم وبمكانتهم التي ترتقي بكلمة او موقف، فإما ان يرتفع شأنهم الى السماء وإما ان ينزل بهم في الأرض ويصبحوا على هامش النسيان. أنت "يا سيدتي" بموقفك الإنساني المشرف، ارتفع شأنك الى السماء العليا.
تحية لك "يا سيدتي" من قلب كل انسان شريف في هذا العالم على هذا الموقف الإنساني النبيل والمشرف، فقد ضحيت بمنصبك الوظيفي المرموق الذي انت اهلا له، من اجل المحافظة على مبادئك الإنسانية وضميرك الحي. أنت حقا إنسانة حباك الله واكرمك بعقل راجح وضمير نقي. واصلي مسيرة حياتك قريرة العين، راضية النفس، ومرتاحة الضمير. أنت حقا امرأة (بـ) آلاف الرجال من العرب.
التعليقات