اجريت استفتاء عام شعبى فى تركيا يوم الاحد الماضى 16 نيسان 2017 على تعديلات الدستورية (( 18 مادة)) وكلها لصالح توسيع وتثبيت و تقوية الصلاحيات للرئيس التركى القادم الا وهو (( طيب رجب اردوغان)) رئيس حزب العدالة و التنمية التركية و هو يستطيع ان تستمر فى سدة الحكم و داخل القصر الرئاسى التركى لحد عام 2029 وهو بهذا الانتصار يكون اول رئيس جمهورية تركية منذ عام 1923 ولحد الان ان يستمر و يبقى اطول فترة فى كرسى الحكم كرئيس منتخب و ذو صلاحيات واسعة اكثر من 15 عاما ،حتى اطول مدة فى الرئاسة التركية اكثر من (( مصطفى كمال اتاتورك)) المؤسس وبانى تركيا الجديدة. هذا الاستفتاء السابع من نوعه فى تاريخ تركيا و ولكن اهمها بسبب التغير من النظام البرلمانى الاكثر ديمقراطية الى نظام رئاسى(( الاقرب من الديكتاتورية الفردية)) والنتيجة هى 51% بنعم على التعديلات و نسبة 49% ب ((لا)) ضد التعديلات.
• النتيجة هى الانتصار لجماعة و تحالف اردوغان و حزبه مع الحزب القومى المتشدد بقيادة دولت باخجلى و انتكاسة لاحزاب (( الشعب الجمهورى و حزب شعوب الديمقراطية التركية)) المعارضة و ايضا انتكاسة للديمقراطية و الحريات و العدالة الاجتماعية. ومن المعلوم ان الانتصار ليس كبيرا و قويا (( بل انتصار بطعم الفشل و الخسارة)) لان النتيجة و الفرق مابين كلمةتى (( نعم و لا)) قليلة جدا و متقاربة من بعضها اى بفارق 2% وهذه النتيجة ليس بحسبان احد او بالاخص اردوغان و حزبه ،هم عملوا بكل ماعندهم من قوة و طاقة فى داخل تركيا و خارجها لكى يفوزوا بنسبة عالية جدا من الاصوات وهم خمنوا النتيجة بنسبة مابين 60-63% ولكن ليس كل مرة تأتى الرياح بما يشتهيه السفن. النتيجة خيبت امال اردوغان و حزبه ولم تكونوا راضيا كل الرضا من النتيجة.لان حلمه بان يكون سلطانا قويا و ولى امر للجميع من يعيش فى تركيا اصبحت حلما بعيد المنال،لان النتيجة واضحة وضوح الشمس ان نصف او اكثر من نصف المجتمع التركى بكل اطيافه ضد السلطة المطلقة و ضد توسيعات الصلاحيات لاردوغان كشخص و كحزب قائد وهم ادلوا باصواتهم تحت عنف و تهديد و خوف و تحت سيادة و ظل الحكم الطوارئى التى لا يوجد فيها اية حريات للكلام و النقد و حملات الدعاية و الاجتماعات الجماهيرة الواسعة و خاصة لاحزاب المعارضة.
ومع هذا فان نصف الاصوات جاءت ضد رغبة اردوغان و حزبه ،حتى هذا الفوز ليس بفوز قوى والنتيجة مطعونة من قبل الاحزاب المعارضة بسبب وجود التزويرات الكبيرة فى الاصوات والعملية برمتها ليس نزيها ويشوبها الشكوك و عدم تسجيل كثير من الاصوات (( لا)) ولم يحتسب لصالح اردوغان و حزبه.وان نتيجة 49% ب (( لا )) لها مدلولات كبيرة منها ان الاصوات (( لا )) فى تركيا اليوم ضد سلطة و ديكتاتورية اردوغان قوية فى كل المدن و القرى و الاقضية حتى فى المدن الكبيرة مثل استانبول و انقرة عاصمتى تركيا من الناحية السياسية و الاقتصادية و المدن اخرى مثل مدن ازمير و انتاليا التى فيهما اسواق و مراكز كبيرة اقتصادية و علمية وايضا دليل واضح على ان الطبقة المثقفة و الحضرية فى تركيا ليس مع اردوغان او على الاقل ليس مع التعديلات الدستورية وهذا يعنى ان المدن الكبيرة و اكثرية المجتمع التركى ضد سلطات اردوغان المستقبلية،وايضا دليل على ان الطبقة القروية و البعيدة عن مراكز المدن ومع احترامى لهم ان الطبقة ليس لديها اية ثقافة او توعية فكرية متحضرة ويصوت حسب رغبة و تحت سيطرة و تاثير الحملات الدعائية للحكومة و الحزب الحاكم. وان تركيا بعد الاستفتاء لم تبقى نفس تركيا بعد الاستفتاء،و هذه النتيجة قصمت ظهر البعير و انقسمت المجتمع التركى الى نصين متساوييين فى الفعل و رد فعل.واردوغان لن يكون رئيسا لكل التركيا بل رئيسا لنصف المجتمع التركى ولديه فقط شرعية النصف الغير متكامل و ليسلديه الشرعية الكلية او الاكثرية المطلقة.
• المهم فى النهاية النتيجة جاءت ب((نعم )) لصالح اردوغان و حزبه،والسؤال المهم يطرح نفسه هو ،اردوغان و تركيا الى اين يتجهون بعد التعديلات الدستورية؟ الى الديمقراطية ام الى الديكتاتورية الفردية و العائلية؟
• مع الاسف الشديد فان الحكومات و الدول و الانظمة الحاكمة فى منطقة الشرق عموما تكون تحت تاثير و هيمنة الرئيس او الملك او القائد،لهذا تكون المستقبل مرتبط بكيفية التفكير و التخطيط و رؤيا للرئيس او الشخص القائد،وهو يفكر و يخطط و يرى بدلا من الجميع واذا قال كلمة مثلما يقول كل الشعب و كل المجتمع،هكذا راينا رؤسائنا و ملوكنا،ولهذا النتيجة واضحة لان التفكير الاسلامى الاخوانى السلفى لاردوغان و قيادة حزبه (( العدالة و التنمية )) هى تفكيرا مغلقاو ليس ديمقراطيا و لا يحب الحريات و العدالة الاجتماعية و المساوات و الاخوة بين اطياف المجتمع التركى،و هو يحب التسلط و التفرد مثلما يفعل بوتين فى روسيا و كيم جون فى كوريا الشمالية وهو يحب بان يكون الرجل الوحيد و الاقوى فى تركيا و حزبه تكون الحزب القائد و الوحيد فى السلطة، لهذا مستقبل تركيا تتجه يوما بعد يوم الى الدكيتاتورية الفردية لشخص اردوغان و هو يحاول و يفكر بان يكون سلطانا عثمانيا بدرجة امتياز فى قرن واحد العشرون و سلطانا قويا للكل ،ولكن الحلم شيىء و الواقع شىء اخر.لان تركيا اليوم ليس تركيا قبل 1500 سنة ايام سلاطين العثمانيين وحتى ليس تركيا قبل 15 تموز 2015 يوم الانقلاب العسكرى الفاشل،ان تركيا و المجتمع التركى نتيجة تلك الانقلاب انقسمت الى شقين مختلفين تماما مع البعض و بينهما فراغ كبير و واسع و اكبر دليل على هذا الكلام هى نتيجة الاستفتاء النص بالنص ((50*50)).
• من المعلوم ان تركيا لديها اكثر من مشكلة وفى مقدمتها المشكلة الكردية و الاقليات الاخرى الموجودة داخل تركيا و المشكلة مع الجيران مع كل من سوريا و العراق و ايران و مصر و غيرهم و المشكلة الكبيرة مع الدول الاوروبية و امريكا وحتى مع روسيا،لهذا يجب على اردوغان ان يكون رئيسا لكل الشعب التركى بكل اطيافها و اختلافاتها القومية و الدينية و المذهبية و عليه ان يحترم الديمقراطية و الحريات و الاحزاب و القادة السياسيين المعارضين هذا على مستوى الداخل وعلى مستوى الاقليمية يجب على اردوغان التحلى بالحنكة السياسية و الديبلوماسية العالية بعيدا عن التحرشات و التهورات و الارهاب و سياسة التخويف و التهديد و الوعيد مع جيران تركيا و فى مقدمتهم سوريا و العراق و ايران كثلاثةدول كبيرة و مهمة و اصحاب نفوز قوية من الناحية القومية و الدينية و المذهبية. وايضا عليه ان يحترم الدول و العلاقات الاوروبية و يجب ان يكون رئيسا محترما من الجميع،وبعكس هذا الاتجاه تكون اردوغان و حزبه خاسران كبيران ولا يستطيعون ان يستمروا فى الحكم لفترة مقبلة و ليس حتى عام 2029.
• واخيرا يجب على اردوغان ان يكون رئيسا للجميع وليس فقط لفئة قليلة او نصف المجتمع التركى ويجب عليه ان يكون رئيسا عاديا و بعيدا عن الغرور و الكبرياء لان الغرور للشخص السياسى معناه الانتحار السياسى و نهاية سلطانه و حكمه،ويجب ان يكون رئيسا يحترم المبادىء الاساسية من الديمقراطية و الحرية و المساوات و حب السلام و الوئام و احترام الجيران و الصداقة و الاخوة مع الجميع،بهذا تكون الفوز للجميع ولتركيا و اردوغان و حزبه و للمجتمع التركى عامة،والا تكون خسارة كبيرة لتركيا و اردوغان و حزبه ويجب عليهم ان يدفعوا ثمن التهورات و الاغلاط و غرورهم.ومن المعلوم ان الرؤساء و القادة و الحكم و السلطة و المناصب و الالقاب اشياء زائلة لا محالة و لم يبقوا الى الابد لاى شخص مهما كان مهما و قويا ولكن الشعب و المجتمع و الارض يبقون وهم بالاخير يحكمون على التغيرات و البقاء فى السلطة و الحياة.وان هذا الاستفتاء ليس اخر مطاف للحياة فى تركيا ولكن بوابة واسعة للتغيرات الكبيرة المقبلة على تركيا بالايجاب او بالسلب وكله متوقف على خطط و افكار و رؤيا المستقبلية لشخص اردوغان وحده،وهو القادر الوحيد على قيادة سليمة و محنكة او متهورة و غير ناجحة كربان لسفينة تركيا المقبلة.
التعليقات