فوز أردوغان وإن كان بنسبة لا تزيد عن 52% في الإستفتاء الأخير ’يعتبر ’مكملآ لفوزة الأول في توفمبر 2002. حين حقق حزبة الذي ساهم في تأسيسه ( العدالة والتنمية) فوزا ساحقا في الإنتخابات التشريعية كأول رئيس ينبثق من التيار الإسلامي آنذاك. ولكن فوزه في الإستفتاء الأخير قد لا يمر بسهولة لأنه الأول من نوعه الذي ’يعيد شكلا من أشكال الديكتاتورية, بعد النهج الذي إتبعه أتاتورك الذي ’يعتبر منقذ الأمة التركية والمؤسس الأول لعلمانية الدولة. ينبثق من هذا الفوز تساؤلات عدة على مختلف الساحات.
الداخلية.. حقيقة أن حزبه الحاكم ( العدالة والتنمية ) يمتلك قاعدة شعبية عريضه ولكن نسبة فوزه 2% تؤكد إنقسام حاد في المجتمع التركي ربما تعود إلى : الإقتصاد المتدهور الذي تشهده تركيا منذ فترة غير قصيرة.. وربما تعود إلى محاولاته العديدة في أسلمة المجتمع التركي حيث رفعت الحكومة التركية الحظر الذي فرضة اتاتورك على إرتداء الحجاب في المدارس وفي القطاع العام. وشجعت على فتح مدارس الإمام الخطيب التي تعمل على دمج التعليم الديني والمناهج الحديثة. إضافة إلى التمرد الكردي.. ثم تعامله مع الإنقلاب الفاشل الذي أودى بحياة ما يزيد عن 300 قتيل وما تبعه من حملة تطهير لم تشهد لها تركيا مثيلا في إعتقال ما يزيد عن 47 ألف وإقالة أكثر من 100 ألف.. من الصحفيين ورجال الدولة والجيش إلى السجون؟؟ ولكن ومن الأكيد أن هذه العوامل مجتمعه لن تضمن له عدم ظهور إضطرابات داخلية. خاصة من معسكر هام يضم أبناء المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية والتي وعت معنى الديمقراطية والعلمانية وتتحكم بعصب الإقتصاد.. وتتفهم ان وجوده في سلطة مطلقة تستمر حتى 2029 لا تختلف عن الديكتاتوريات العربية ولا تعنى سوى الإبتعاد عن مبادىء الديمقراطية التي أسس لها أتاتورك.. و’تفضي إلى المزيد من الأسلمة والتشدد !!! والتعامل مع هذه القضايا إما ستؤدي إلى الإطاحة به أو تأخذ مجهوده بدلآ من توجيه هذا المجهور لطموحاته الإقليمية والدولية؟
التساؤلات الإقليمية.. وترتبط بطموحه وتنافسه على مدى قدرته في تطبيق حلم الخلافة التي تدغدغ القلوب والعقول العربية بالتحديد في ظل الإحتقان والتدهور الحاصل.. والأهم في ظل التنافس الإقليمي الغير مرئي بينه وبين إيران وبينه وبين مصر.. ليكون الموجه للسياسة الإقليمية في المنطقة.. والمستفيد الأكبر من الأسواق العربية الإستهلاكية بحيث يستطيع إعادة إحياء إقتصاده المتدهور! تنافسه الإقليمي مع إيران والتي تسعى للسيطرة والهيمنه من خلال حملات واضحه للتشيع في كل الدول العربية..الخطر الذي لا يقل عن الخطر التركي حتى وإن كان سنيا؟
التساؤلات الأوروبية والدولية المخفي الذي لم ’يعلنه أردوغان أنه ضرب عرض الحائط بأوروبا والعالم الغربي. وأسقط من حساباته حلمه في عضوية الإتحاد الأوروبي, الذي أصبح على وشك الإنفراط.خاصة وبعد التوترات التي حصلت بين تركيا وألمانيا ثم مع هولندة نتيجة منع كلتا الدولتان دخول وزراء أتراك من محاولة إستقطاب مواطنيها من الأصول التركية للتصويت لصالحه في الإستفتاء.. والتي حدت بأردوغان للتصريح بأن تركيا ستراجع علاقتها مع اوروبا بعد الإستفتاء.
دهاؤه السياسي كان في إستعمال ورقة المهاجرين ( 2.8 مليون ) في إبتزاز الإتحاد التي أخذ فيها بلايين الدولارات من أوروبا في السنة الماضية, ثم إستعماله للاجئين كورقة لصالحه في الإستفتاء الأخير حيث أعطى الجنسية للآلاف منهم. وربما يدفعه طموحه وحقده على الإتحاد الأوروربي بفتح الحدود أمام المهاجرين وهي ورقة لا زال يحملها في جعبته لتهديد أوروبا؟؟ نتيجة الإستفتاء أذهلت اوروبا وأخرجت الإنتقادات الحادة بنتيجة الإستفتاء وكيف رضي الشعب التركي بشكل من أشكال الإستبداد.. وأكّد الخوف من الإسلام وأعادت إلى الأذهان حروب تركيا في اوروبا في الماضي! مما حدا بالإتحاد الأوروبي بالتمسك بإرسال بعثة لتقييم التعديلات الدستورية خاصة إدعاءات المخالفات منها؟؟ ولكن السؤال هو ما الذي ستستطيع أوروبا عمله لتحجيم هذا العملاق الجامح؟
على الساحة العالمية السؤال الحتمي الذي يفرض نفسه.. هل ستتعامل الولايات المتحدة مع تركيا وإعتبارها القوة الإقليمية المعتدلة خاصة وفي ظل إعادة تقييم لإتفاقياتها النووية مع إيران.. وهل سيقبل العرب بهيمنة تركية في ظل تجربته المظلمة من الخلافة؟؟ هل سيستبدل محاولات غيران في الهيمنة الإقليمية ومعرفته بدوافعها وطموحاتها بطموحات لا تقل ظلاما من ظلام الدولة العثمانية؟؟ التحديات الكبرى التي تواجة أردوغان ليست فيما سبق ولكن التحدي الأكبر في قدرته على توحيد تركيا ومعارضة حزب الشعب الجمهوري الذي أكد ويؤكد من خلال التجربة السابقة بأن أردوغان يعمل على تقويض الأسس العلمانية والديمقراطية التي أسسها أتاتورك.. وأن هدفه الأول والوحيد هو أسلمة الدولة؟
هذا هو الخطر الأكبر على تركيا والمنطقة العربية كلها.. ففي الوقت الذي أصبح فيه العالم ’مهيئا لإستراتيجية لا تقوم على الأيدلوجيات الدينية يسعى أردوغان للعودة إلى الأيدلوجية الدينية خدمة لمصالحه فقط... نعم فوزة نصر له.. ولكن قد يكون أغلى من حياته السياسية والفعلية؟
- آخر تحديث :
التعليقات