ذكرت الانباء عن قيام المدعي الخاص بالتحقيق عن التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية، بتعيين محقق خاص حول امكانية ان يكون الرئيس او مساعديه قد قام بتضليل او عرقلة العدالة. ويعتبر هذا التحول تحولا خطيرا في مسار التحقيقات الجارية حول الادارة الامريكية الحالية والمستمرة منذ تسنم الرئيس ترامب مسؤولياته الرئاسية ولحد الان. وبالرغم من ان تعين مثل هذا المحقق لا يعني نهاية الطريق، الا انه لو ثبت مثل ذلك، فان على الرئيس ان يقدم استقالته او يتم تجريده من منصبه ويخضع للمحاكمة. قد يكون مستبعدا قيام الرئيس بمثل هذه الخطوة، لان تجربة الرئيس الاسبق ريتشارد نكسون لاتزال في الاذهان، والتي بموجبها خضع للتحقيقات المتواصلة والتي ادت في النهاية الى تقديم استقالته. التشابه الاكبر بين الرئيس ترامب والرئيس نكسون قد يكون في امرين مهمين وهما كونهما من الحزب الجمهوري وكون الاعلام معاديال لهم بشكل غير مسبوق. ولعلنا يمكن ان نستشف نتائج هذا العداء من خلال ما حدث بالامس حيث اقدم شخص على اطلاق نار على مجموعة من اعضاء الكونكرس الجمهوريين، والواضح ان النية كانت القتل، وظهر ان الشخص كان معاديا للرئيس ترامب.
نعم ان تكون وسائل الاعلام مختلفة وحسب توجهاتها مع المسؤولين السياسيين، ونعم لحرية الاعلام ونقد ومراقبة هؤلاء السياسيين، لكي لا يعتقدوا ان الحبل متروك لهم على غاربه. الا ان ما يمارس ضد الرئيس ترامب يكاد ان يكون محاولة خنق ومع السبق والاصرار. فالاعلام لا يقوم بواجبه، بل انه يحاول ان يوجه الناس للوصول الى نقاط لا عودة عنها، وهي اما نحن او ترامب. انه موقف يشبة موقف الاديان، اما معنا او الجحيم. اي اما الاستسلام للشروط والاجندة الليبرالية الامريكية، والتي تريد ان تفرض شروطها بقوة الاعلام الهستيري او انهم سيحولون حياة الرئيس الى جحيم من الملاحقات المتتالية، بحيث يكبلون ايديه عن القيام باي شئ، ومن ثم يضمنون خضوع الجميع لهم.
ان عملية شيطنة الرئيس واجندته ومحاولة تسفيه كل تحركاته او تحركات افراد عائلته، هو خطوة نحو التصعيد والتدمير الذاتي في الولايات المتحدة الامريكية، لانها تقسم المجتمع الى طرفين متناقضين لا يمكن التحاور بينها، ومع الاسف هذا ما يمكن استشفافه من الاعلام الامريكي المحسوب على الليبرالية. والناظر الى الامر من بعيد مثلنا، لن يرى الا طرفين متصارعين للنهاية، وكل يرمي الانتصار على غريمه، والمؤسف ان الاعلام المساند للسيد ترامب صوت خافت او لا يصلنا. واذا ادركنا ان السيد ترامب تبوأ منصب الرئيس بفضل اصوات رأت فيه المعبر عن مخاوفها، سواء اتفقنا معها ام لا، لادركنا ان محاولات التسفيه هذه تقع في خانة التصعيد لدرجة عدم رؤية المخاطر الحقيقية المترتبة على ذلك او عدم الشعور بالمسؤولية تجاه ماقد يترتب على مثل هذه المواقف من نتائج بالغة الخطورة على الواقع الامريكي وبالتالي العالمي.
باعتقادي ان خطوات الرئيس حول منع مواطني عدة دول من دخول الولايات المتحدة الامريكية، ورغم كونها لمدة محددة، الا انها كانت رسالة لتهدئة مخاوف الداخل اكثر منها خطوة عداء لدين معين او دول بعينها. وكانت ترمي لوضع ضوابط للسيطرة على من يدخل البلد او القول اننا نحاول. ولكن الاستخفاف الاعلامي المعادي وصل في مقارناته الى ان ضحايا الارهاب الاسلامي في الولايات المتحدة الامريكية اقل بكثير من ضحايا حوادث المرور او الجرائم المقترفة في المدن، وكانه دعوة الى عدم اعارة الامر اهمية، مادام كذلك، دون اعارة الاهمية للدوافع، ففي حالة حوادث المرور تكاد الدوافع مفقودة، ولكن يمكن القول انها اخطاء القيادة او اخطاء في التركيب او تصنيع، وفي حالة الجرائم، فرغم توفر الدافع وهو في الغالب السرقة او الانتقام، فانه ليس موجها بشكل كامل الى مجتمع وقيم متكاملة، تحاول فرض قيم وسياسيات محددة عليهم، كما هو الحال في الارهاب الاسلامي.
المسألة باعتقادي تثير الاستفهام كثيرا، فالموقف الذي يتخذه الاعلام الامريكي او الغالب من، يكاد يتطابق مع موقف الكثير من السياسين في اوربا والاعلام الاوربي وخصوصا الموصوف باليساري او حتى الوسطي. فشخصا مثل جيرمي كوربن، حينما يبرر بان الارهاب هوبسبب حروب بريطانيا، او البعض ممن يصف الارهاب كونه نتجة الفقر، لم يتوقفا لحظة امام سبب كون هذا الارهاب منطلقا من جهة معينة او غالب عليها من هذه الجهة، فيما ان الحروب والاستعمار والفقر تكاد تلاحظ في الهند وافريقيا وجنوب شرق اسيا. كما ان بعض الارهابيين ممن قاموا بعمليات كانوا من ابناء اوربا ممن لم يعش اي فقر بمعنى ما يعيشه الانسان في المناطق الفقيرة في المناطق المار ذكرها، فما مبرره للقيام بقتل نفسه وزهق اوراح العشرات معه؟
وعلى ضؤ هذه التحليلات او المواقف، يمكن ان يظهر اتجهات متطرفة جدا، قد تقترب من مواقف النازية الرافضة لكل الاخر وعدم القدرة على التعايش معه، لا بل اعتنباره في درجة ادنى، مما يستوجب اتخاذ مواقف وتطبيق قوانين اكثر صرامة معهم، ان لم يصل الامر الى طرد كل الاخرين من اراضيهم. بالطبع لا احد، يتمنى عودة الافكار النازية والشوفينية لكي تتحكم في الغرب. الا ان عدم اتخاذ مواقف وتطبيق سياسات حقيقية، تعالج المشاكل من اساسها، قد يكون السبب لظهور هذه الافكار وعودتها بقوة. او توجه فردي للانتقام او للقتل بحجة الانتقام من الارهابيين او من الداعمين او ممن يعتقد المنتقم انهم من نفس عقيدة الارهابي.
فمن الواضح ان الاسباب الحقيقة للارهاب هي في الثقافة التي يتم ارضاعها للاطفال منذ نوعمة اظفارهم والتي ملخصها، ان الاخرين يستحقون الموت لانهم كفرة، وان طريق الجنة يمر بالجهاد ضد الكفرة، والمسألة المهمة الاخرى باعتقادي هي الزيادة السكانية الهائلة التي تلتهم كل الميزانيات ولا تترك للدولة متنفسا للتخطيط الهادي والمتزن، هذه الزيادة التي يتم التشجيع عليها من قبل رجال دين كل همهم هو القول ان عدد المؤمنين بدينهم اكثر او انهم يعتقدون بانهم بهذه الزيادة السكانية يخضعون العالم لمعتقداتهم.

[email protected]