قبل ان ادخل في صلب الموضوع،اود ان اسأل: ماهية الوطنية؟ هل الوطنية هي مجرد قول (نعم ) للإستفتاء والإستقلال؟ هل الوطنية هي الطاعة العمياء والتي كانت سبباً للكثير من المظالم التي عانت منها العراق والمنطقة ماضياً وحاضراً؟ هل الوطنية هي محاولة دمج الوطن وتذويبه وتشويهه وصهرة من اجل مصالح الاحزاب الحاكمة؟ هل الوطنية هي كلمة تُصاغ حسب المصالح الفئوية والحزبية ( ان كنت معي فانت وطني وان خالفتني فات لاوطني، بل عميل وخائن وضد المصلحة الوطنية العليا والامن القومي )؟ هل الوطنية هي الارتباط بالمرجعيات الخارجية؟ هل الوطنية هي تحويل البرلمان إلى (دكان سياسي) يُفتح ويغلق بقرار حزبي وحسب رغبة القائد الاوحد؟ هل الوطنية هي ان تعمل وفقًا لإملاءات الاحزاب التي تسعى لرسم سياستها وفقًا لأجنداتها ومصالحها الحزبية؟ ما قيمة الوطن من دون حرية المواطنة؟ ماقيمة الوطن دون الحرية، دون الخبز، والعدالة الاجتماعية؟ اليس للعراقيين، والافغانيين والصوماليين والليبيين واليمنيين والاتراك والايرانيين والخ،علم وحدود ودولة معترفة بها دوليا، اذن لماذا يهاجر المواطن المغلوب على امرة ويترك ارضه وذكرياته ووطنه دون رجعة، لماذا ظاهرة الهجرة من العالمين العربي والإسلامي مستمرة إلى الدول الأوروبية والغرب عموماً؟ أيهما أهم الوطن أم الحرية، الخبز ام الوطن، الكرامة ام الوطن؟ لماذا يهاجر السوري والعراقي بلادة اكثر من غيرة؟ 
للاجابه على هذه الاسئلة وغيرها اصبح من المؤكد أننا نحتاج إلى تعريف (الخيانة والعمالة والارتزاق)من جديد و ان نكتشف الخلل في فهم الوطنية خاصة ونحن نعيش في هذا الزمن الاغبرالذي تغيرت فيه المفاهيم وانقلبت فيه الموازين وسقطت فيه القيم في ظل النفاق بمختلف أشكاله ومظاهره وعلى وجه الخصوص النفاق السياسي. 
لقد حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة شق الصف الكردي وذالك بتوزيع الاسلحة على العشائر الكردية الموالية لها والمعادية للثورة الكردية منذ الستينات من القرن الماضي ولم يقتصر هذا التكتيك على الحكومات العراقية بل شملت ايضا الحكومات والدول الإقليمية ايضا فعلى سيبل المثل لا الحصر الدولة التركية و الايرانية، لقمع الثورات والحركات التحررية الكردية فيها رغم رفض تلك الحكومات بالاعتراف باي شكل من الاشكال بالحقوق القومية الكردية......
وفي سنة 1961 لجات الحكومة العراقية بتسليح قسم من العشائر الكردية لمحاربة بني جلدتهم وخاصة بعد فشل المفاوضات بين القيادة الكردية والحكومة العراقية والمتمثلة في الحزب البعث الانقلابي في 1963.

ناصر بعض رؤساء الكرد وعشائرهم الحكومة العراقية بمساندة القوات العسكرية السورية بدعم كامل من الحزب البعثي السوري، وقاموا بانذار الثوار الكرد بالعودة الى صفوف القوات العراقية والقاء سلاحهم خلال 24 ساعة بدون قيد وشرط، وشكلوا قوة ضاربة، اطلق عليها اسم فرقة( صلاح الدين وفرسان خالد بن الوليد)(1) الذين سهلوا للقوات العراقية دخول قرى وقصبات واقضية ونواحي كردستان، الأمر الذي ادى الى ان يسيطروا على مناطق جبلية بسرعة فائقة وذالك لانهم من ابناء المنطقة ويعرفون كل الطرق وتمييز الطرق غيرالسالكة منها.

وفي الثمانينات من القرن الماضي ظهرت بشكل لافت افة (العمالة والخيانة )لصالح النظام البعثي البائد، ووصل الامر الى ظهور وانبثاق اعداد هائلة من الافواج (الفرسان) او (افواج وسرايا الدفاع الوطني الجحوش )(2 )وتسميات عديدة اٌطلقت على تلك التشكيلات التي كانت شبه نظامية عملت باشراف من ضباط وعسكرين صداميين محترفين بالتعامل مع هؤلاء المرتزقة الذين خدموا النظام البعثي الفاشي واجرموا بحق شعبهم وابناء جلدتهم،وشاركوا النظام البائد في تدمير كردستان ارضا وشعبا, ومع اندلاع انتفاضة اذار المجيدة اصدرت الجبهة الكردستانية قرارا ارتجاليأ يقضي بمنح عفو عام عن الخونة والعملاء الذين دمروا كردستان في اطار حملة مشؤومة سميت زورا وبهتانا بـ(المصالحة الوطنية، على قاعدة، عفى الله عما سلف ) وعليه اصبح (مرتزق الامس) الذي كان ولائه لاعتى دكتاتورعرفته العراق اصبح ليس فقط ( مناضلا وثوريا ومخلصأ يحضى بتقدير الاحزاب الكردستانية، وانما تبوأ العديد منهم مناصب حساسة في المؤسسات الحكومية والحزبية، ومنهم من اُحيل على التقاعد برتب عسكرية عالية جدا ومنهم من حُسب له فترة (عمالته) كخدمة للوطن وعليه حصل على مستحقات وامتيازات مالية كبيرة، ومنهم من حُشر اسمه في قائمة (محاربين القدامى و قائمة شهداء كردستان ) اسوة بضحايا النظام البعثي الفاشي لانهم اصبحوا عبيدا للاحزاب المتنفذة في الإقليم، واصبحوا ( ملكيين اكثر من الملك ) بعد ان نُفخ في اوداجهم حتى كشروا عن انيابهم مرة اخرى، واصبحوا يهددون بمعاقبة كل من له رايا مخالفا للحزب الذي احتضنهم ورد الاعتبار لهم، ( بالضط كما كانوا يفعلون لسيدهم المعدوم في الثمانينات من القرن الماضي) 
وبعد انتفاضة اذار 1991 اتخذت ظاهرة التخوين منحى اخرى وخاصة بين ( الاخوة الاعداء )، وانعكست بالأساس سلبا على مجمل الوضع السياسي الراهن وعلى الحياة العامة في الإقليم، ففي ظل الاوضاع الكارثية التي يمر بها إقليم كردستان إنتشرت ثقافة (الإتهام والتخوين والاوطنية والتسقيط ونظرية المؤامرة و الفجور بالخصومة السياسية) بشكل مخيف وخاصة بعد انبثاق حركة التغييرالكردية المعارضة بشكل خاص, فكل من له رأياً مخالفاً لرأي الاحزاب المتنفذة يعد ( خائنا وعميلا وعليه يجب معاقبته وطرده الى خارج الحدود المرسومة بين الادارتين ( الاصفر والاخصر مطعم بالنيلي )!

في إقليم كردستان تجد الحكومة تخوّن المعارضة السلمية وكل من يقول رايأ مخالفا لها، فكل من يطالب بحقوق الشعب ومحاسبة المقصرين وتجار السياسة وحيتان الفساد فهو ( عميل وفوضوي ومخرب وضد كردستان )، وفي نفس الوقت تتعامل والمعارضة مع الحكومة بعدم الثقة وتعتبرها حكومة فاشلة بامتياز، وهكذا دواليك، فكل منهم يغني على ليلاه, والمصالح الشخصية والحزبية المقيتة تطغى على مصالح الوطن والشعب الذي يعاني الامرين نتيجة لقرارات انفرادية ومتسرعة وكيدية من جهة والازمة الاقتصادية الخانقة من جهة ثانية.

لااعتقد ان المواطن الكردستاني (الاكثرية منهم ) الذي عانى من الانظمة العراقية المتعاقبة وتحديدا النظام الدكتاتور صدام حسين، والذي كان يتمنى الخلاص منه حتى لو أتى ( عفريت ) هم غير وطنيين ولايهمهم امر شعبهم ووطنهم، انما كان ولايزال دافعهم هو الرغبة لروئية الوطن مستقرا ومعافي من جميع النواحي ( السياسية، الاقتصادية والاجتماعية ) بعد ان قدموا تضحيات جسيمة وانهارا من الدماء في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية، فهل هؤلاء الناس هم حقأ (عملاء وخونة ومخربين )لانهم ينتقدون اليوم الاحزاب المتنفذة في الإقليم ويقولون بملء الفم لا( للفساد والنهب والغاء الاخر والتسلط والتشبث والتمسك بالمنصب والكرسي اللعين والانفراد بالقرارات السياسية والتشريعية المصيرية )؟، هل الذي يقول لا لمحاولة تفريغ (الإستفتاء والإستقلال ) من محتواه الحقيقي هو ( عميل و خائن وتابع للفئة الضّالة )؟ هل يمكن القول ان المواطن الكردستاني الذي يطالب بابسط حقوقه في ظل حكومة تدعي الوطنية هو ليس وطني؟ هل الوطني الحقيقي هو من ليس له رايا مخالفا لراي فلان او علان؟ هل الذين يقولون بان البرلمان هو صاحب السلطة الحقيقية في إقرار الإستفتاء و الاستقلال باعتباره يمثل الإرادة الشعبية هم عملاء وخونة؟ هل سألت الاحزاب الكردية نفسها عن اسباب معارضة الاصوات التي ارتفعت مع اعلان موعد الاستفتاء؟ ومن هم اصحاب تلك الاصوات؟ هل الاصوات المعارضة التي تقول بان (الاستفتاء والاستقلال) يجب ان يقرره الشعب وليس الحزب، هل هذه الاصوات هي اصوات خائنة حقأ، أم أنّ الخائن هو من اجرم بحق شعبه ووطنه والان يعيش حياة الملوك في ظل حكومة الإقليم؟

عصارة الحديث: ان ثقافة (التخوين والتسقيط ونظرية المؤامرة والخطاب الاعلامي الشتائمي البائس، والجدل العقيم الذي لا علاقة له بالفكر والعقل والمنطق والواقع،والتجريح الشخصي، والاستخفاف بالاخر، والكذب السياسي الذي مل المواطن الكردستاني من سماعه وتكراره والذي لاعلاقة له لا بالوطن ولا بالوطنية )، هي ثقافة قبيحة وشاذة بكل معنى الكلمة وموروثة من الانظمة الفاسدة والمستبدة, وعليه يجب مكافحتها واقتلاعها واجتثاثها من جذورها قبل أن تتضخم وتتفشى اكثر فاكثر، كما يجب ان يعلم الجميع ان لكل مواطن رايه الخاص و ليس معنى ذلك أن يندرج كل راي مخالف لهذا الحزب او ذاك الزعيم تحت بند ( العمالة والخيانة الوطنية وتهديد الامن القومي ).
________
1 المعروف ان قوات صلاح الدين ضمّت المرتزقة الكرد باعتبار صلاح الدين كرديا، وقوات الوليد ضمت ابناء العشائر العربية باعتبار خالد بن الوليد عربي. 
2 قدّرعدد الافواج االمرتزقة بـ( 500 )فوج بقيادة رؤساء العشائر الكردية وضمّت في صفوفها اكثر من 480 الف مرتزق (جحش ),وفق افادة المجرم سلطان هاشم( بطل ) جريمة الانفال،وقد شارك هؤلاء (الجحوش) مع العسكريين وقوات المغاوير والوية القوات الخاصة والفيالق في قتل وحرق ونهب شعب كردستان قبل واثناء وبعد مجازر ( الانفال )الاكثر من سيئة الصيت. صدر قرار من الجبهة الكردستانية إبان انتفاضة عام 1991 باعفاء كبار الجحوش المتعاونين مع النظام العراقي السابق دون قيد وشرط في اطار حملة مشؤومة سميت بـ(المصالحة الوطنية ) وبعد قرار العفو التحق هؤلاء الافواج قادة وافراد وباسلحتهم الى صفوف الحزبين الرئيسيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني و الحزب الاتحاد الوطني الكردستاني )، ولعبوا ايضا دورا قذرا في الصراع والاقتتال المسلح الداخلي و اللا مجدي والمدمر الذي حرق الاخضر واليابس في اواسط التسعينات القرن الماضي بين ( الاخوة الاعداء )، وليس فقط هذا بل تم تكريم قسم منهم و تعيينهم في مناصب حكومية وحزبية مهمة، والقسم الاخر ممن ابى ان يستلم المناصب زود بوثيقة عدم التعرض له ولعائلته من قبل قادة الاحزاب الكردية وعفا الله عما سلف.