في کتاب المدرسة القرآنية، وعندما يتحدث الراحل الکبير"آية الله محمد باقر الصدر" عن هرون الرشيد وهو يخاطب الغيمة بأن خراجها سيأتيه أينما ذهبت، فإنه في نفس الوقت يطلب من تلاميذه عدم التسرع في الحکم على الرشيد و إدانته بل يطلب منهم أن يضعوا أنفسهم في مکانه و يعيشون الحالة التي عاشها ومن ثم يحکمون. 

آية الله علي الخامنئي، أحد المشارکين في الثورة الايرانية و من المحسوبين على التيار الديني فيه، عاش أيام الثورة بکل تفاصيلها، ولو سئل في ذلك اليوم سٶالا محددا: ماذا کنت ستفعل لو کنت في مکان الشاه؟ وأترك الاجابة للقراء وکل حسب قناعته، لکن مع تذکيرهم بأن خامنئي و کافة من شارکوا في الثورة کانوا يطلقون کلمة"ديکتاتور" على الشاه، وهو يعني المستبد برأيه و الحاکم بأمره و صاحب الکلمة الاولى و الاخيرة في الحکم، وأتساءل: هل حقا أن خامنئي ليس ديکتاتورا ولاتنطبق عليه المواصفات التي ذکرتها بشأن الديکتاتور؟

السٶال الذي يتبادر الى الذهن بقوة هو: هل يعلم خامنئي من إنه يعيش ظروفا و أياما شبيهة بتلك التي عاشها الشاه وهو محاصر في قصره بغضب الشعب المنتفض بوجهه، مالذي يفرق بينه و بين الشاه؟ ألم يصف الشاه و نظامه الثورة بالمٶامرة الخارجية؟ أم تستعد و تتأهب الاجهزة الامنية و الشرطة و الجيش لمواجهة الثورة؟ هل إن خامنئي لم يفعل شيئا من الذي فعله الشاه؟ صحيح إن الشاه لم يکن رحوما بالثورة لکن لم يکن أيضا قاسيا الى الحد الذي لم يترك أي خط رجعة مع الشعب، ونتساءل مرة أخرى، أيهما أشد قسوة و بطشا: الشاه أم خامنئي، ومرة أخرى أدعو القراء للإجابة على السٶال، و سوف أغض النظر عن تقديرات المنظمات الحقوقية بشأن عدد القتلى و المعدومين في العهدين علما بأن هذه المنظمات مکروهة و مرفوضة من العهدين ولاسيما العهد الاخير.

عند التصويت على نظام ولاية الفقيه کأساس لدستور الجمهورية الاسلامية الايرانية، رفضت منظمة مجاهدي خلق التي کانت لها مشارکة رئيسية و فعالة في الثورة الايرانية و کانت بمثابة داينمو الثورة، رفضت التصويت لصالح هذا النظام وإعتبرت ذلك بمثابة إمتداد لديکتاتورية الشاه مع تغيير بسيط هو إستبدال التاج بالعمامة، ومع کل ما مارسه النظام من ترهيب و ترغيب مع المنظمة من أجل حثها على الموافقة و وصلت الى حد إجراء لقاء بين الخميني و زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي، غير إن المنظمة أصرت على موقفها مٶکدة بأن الشعب الايراني ثار و ضحى لکي يسقط نظام ديکتاتوري وليس ليأتي بآخر، يومها کان هناك من إستغرب من موقف المنظمة وإعتبرها تبالغ و تذهب بعيدا في تصوراتها و تحليلاتها بشأن النظام، بل و إنتقدوها و رموها بشتى الاوصاف و النعوت، بيد إن ذلك لم يغير من تلك الحقيقة التي فرضت نفسها بعد 38 عاما رغم أنف النظام و من سايروه.

لست أدافع عن الشاه کما قد يتبادر الى ذهن البعض فقد کان نظاما قمعيا وضاق الشعب من ذرعا وهو کان يشرف على تنفيذ مشروع أمريکي في المنطقة تم إسدال الستار عليه عندما وجدوا من يمکنه أن يقوم بذلك الدور بصورة أفضل و أکثر نفعا للمصالح الامريکية، لکن الشئ بالشئ يذکر، ولابد من مقارنة هٶلاء الذين جاءوا بعد الشاه و مادأبوا على ذکره بشأن قمع و إستبداد و طغيان نظام الشاه، لکن هل إن نظامهم أقل قمعا و إستبدادا و طغيانا من سلفهم، ثم لو قمنا بمقارنة عدد الجياع و المحرومين من أبناء الشعب الايراني خلال العهدين، فإنه لاأملك نفسي من القول بأنه من الظلم المقارنة بينهما فقد تجاوزت الحالة سوءا في ظل نظام يفترض إنه يدافع عن المحرومين و المستضعفين کل الحدود و المقاييس، هذه الاسئلة و المقارنات، جرت و تجري معظمها في أذهان أبناء الشعب الايراني ولاسيما الذين عاصروا الثورة الايرانية عام 1979، من الواضح جدا إنه من الصعب جدا منح الافضلية لهذا النظام بل وإن السٶال الاکبر الذي يجب طرحه بوجه نظام الجمهورية الاسلامية عموما و آية الله خامنئي خصوصا هو: ماهو الشئ الاهم الذي قدمتموه للفقراء و المحرومين بحيث يمنحکم الافضلية على نظام الشاه؟ هل کنتم أرحم بالمعارضة السياسية منه، ولو طرحنا منظمة مجاهدي خلق نفسها مرة أخرى کمثال، حيث کانت أقوى معارضة ضد الشاه مثلما هي حاليا أقوى معارضة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، فإن نظام الشاه لم يقتل و يسجن و يعدم منهم کما فعل هذا النظام حيث قام وفي غضون أقل من 3 أشهر بإعدام 30 ألف سجينا سياسيا من أعضاء و أنصار المنظمة، وإن هذا النظام الذي ظل طوال 38 عاما مستمرا في حملة واسعة النطاق من أجل القضاء على هذه المنظمة، هاهي نبٶتها التي حذرت منها، وهي إستبدال التاج بالعمامة تتحقق ويلعن الشعب الشعب العمامة المزيفة کما لعن التاج من قبله، فالشعب الايراني و بإختصار شديد صار يرفض الديکتاتورية مهما کان شکلها و لونها و مضمونها ولن يشفع الشکل و المضمون الاسلامي المفتعل للنظام عند الشعب أبدا!