نجح نظام حزب البعث في ترييف معظم المدن العراقية وفشل في تمدين أي قرية من قراها طيلة ما يقرب من&أربعين&عاما من حكمه،الذي تفاوت بين التوجه الاشتراكي على طريقته الخاصة&بإلغاء&طبقة العمال وتحويلها بجرة قلم&إلى&موظفين، ونقل مئات&الآلاف&من&الأريافإلى&المدن،&خاصة شرائح&الأميين&وأنصاف&المتعلمين كعناصر في الجيش&والأمن&والمخابرات والشرطة والجيش الشعبي وبقية&أجهزتهالخاصة، وتوطينهم في مراكز المدن بتسهيلات كبيرة، وتحويلهم&إلىأدوات&طيعة لتنفيذ برامجه السياسية،&وبين تحوله الكلي&إلى&النمط الديني&بإعلانه&الحملة&الوطنية&الإيمانية&التي فرضت تعليمات وتفسيرات دينية مشوشة، والاتكاء&على رجال الدين&تارة وعلى شيوخ العشائر&تارة&أخرى،&أولئك&الشيوخ&الذين&افتتح لهم&دائرة&خاصة&في ديوان الرئاسة،&مقسما&إياهم&إلى&ثلاث موديلات&أو&درجات.
وبعد&أن&أسقطت&الولايات المتحدة الهيكل&الإداري&لنظام&الدكتاتور صدام حسين&في نيسان 2003&جاء النظام البديل الذي افترض معظم العراقيين&بأنه&سينتهج&أسلوبا&مغايرا ونظاما&أكثر&عدالة وتطورا،&مكملا لذات النهج في&إحداث&تغييرات كارثية على المجتمعات العراقية وثقافاتها، فقد&أصبحت&معظم مدن العراق وحواضره&التاريخية مجرد قرى كبيرة انتعشت فيها العادات والتقاليد القروية،&وتعملقت البداوة في السلوك والممارسات التي قزمت دور القانون&وهمشته&إلى&درجة&إحلال&نظامها وتقاليدها بدلا عنه&في كثير من القضايا،&بل&إن&قوانين العشيرة&وأعرافها غدت هي سائدة&تساندها مجاميع من المعممين ورجال الدين المسيسين الذين يفرضون&إتاواتهم&وقوانينهم وتفسيراتهم الخاصة للهيمنة على&الأهالي،&الذين يعانون من فقر مدقع وصل في&آخر&إحصائياته&إلى&ما يقرب&من 40%،&وأمية&استشرت في نصف السكان&المنتج&تقريبا&وبطالة خطيرة حولت غالبية الشبيبة في سن&الإنتاج&إلى&الالتحاق بالميليشيات والمجاميع المسلحة&سواء تحت غطاء الدولة&أو&التي تعمل لحساب شخصيات&أو&قوى&أجنبية.
&&والمراقب لحركة المدن العراقية سواء كانت مراكز محافظات أم مراكز&أقضية، يدرك بسرعة&إننا&إزاء&مشكلة عويصة جدا، خاصة بعد أن فقد&كثير من المدن&خصوصيته المدينية&وهويته&الحضارية&لحساب هويات جديدة مزينة&بأنماط&غريبة من السلوك والثقافات،&دفعت سكانها ونخبها الاجتماعية والسياسية تحت ضغط هائل من النظام المذهبي والعشائري بامتياز&إلى&الانغماس بهذه الثقافات تحت طائلة الفقر والبطالة والسوط العقائدي، بحيث لم تعد ترى ما يشعرك كمراقب&أوباحث&في العراق خارج&إقليم&كوردستان&بان حركة الحياة تتقدم&إلىأمام، بل على العكس تماما&حيث يسودك شعور بالتقهقر&إلى&الوراء،وأنت&تشهد&مظاهر دينية&متطرفة ومتشددة،&وسلوكيات قروية وبدوية بدأت&طاغية&على مظاهر المدنية&والمدينية.
&&حقيقة ما حصل يبدو كارثة اجتماعية وتربوية خطيرة جدا لا&يمكن&إصلاحها&بوقت قصير، بعد أن استخدم الدين في تأصيل تلك المظاهر بدعم مطلق من العقلية القبلية التي&أصبحت&ملاذا آمنا بفقدان سلطة القانون وضعف مؤسسات الدولة واستشراء الفساد في معظم مفاصلها بغياب مفهوم رفيع للمواطنة، مما&يتطلب&إحداث&تغييرات جوهرية في المناهج التربوية والتعليمية&وأساليبها، والفصل الكلي للدين عن السياسة ونظام الدولة وقوانينها،&مما يحفظ قدسية&الأديانوهيبتها بعيدا عن المناكفات والمنافسات السياسية، ويتيح للنظام السياسي ومؤسساته اختيار&أنجع&وأحدث&التجارب الحضارية للنهوض بالمجتمعات التي نخرتها وخربتها النزعات القبلية والدينية&العنصرية والمتطرفة&بمختلف&أشكالها&ومسمياتها.
التعليقات