"كلنا للوطن للعلا للعلم"...&هكذا يبدأ النشيد الوطني اللبناني، ولا تحتاج وقتاً لتعرف الموسيقى التي تُعزّف لهذه الكلمات، ولكن&للوهلة الأولى&قد تحتاج برهة لتستوعبها رنة تطالعك&على الجانب الآخر عند اتصالك بأي رقم هاتف لبناني... هذه المبادرة من شركة الاتصالات&MTC&بمناسبة عيد الاستقلال جعلتني أقف قليلاً بيني وبين نفسي، أنا التي بت&غاضبة على كل شيء في هذا البلد.

عندما سمعت الموسيقى شعرت&بعاطفة وطنية&تتسلل إلى داخلي، وأعادتني بالذاكرة بضع سنوات إلى الوراء&يوم&كنت أعيش خارج لبنان، وقتها قال لي&زميل أردني "غريبون أنتم اللبنانيون لو مهما&تغربتم، دائماً تفكّرون بالعودة إلى بلدكم وبناء منازل لكم&على أرضه".

نعم، نحن كلبنانيين يُشهد لنا بأننا&نحب هذا الوطن. رغم كل المساوىء ورغم أن كثر منّا اختاروا الغربة أو حتى الهجرة لأنهم فقدوا الأمل، وكثر على هذه الخطى؛&إلا أننا لو أينما ذهبنا يبقى في داخلنا ذلك الحنين وذلك التعلّق الفطري بهذه الأرض.&ربينا على الحب لهذا البلد الصغير، وفي لا وعينا، نربّي أولادنا كما ربينا نحن. كنا أطفالاً نحتفل بفرح بذكرى الاستقلال واليوم أصبحنا كباراً نعيش نقمة على حالنا،&ولكن عيوننا تهلّل للفرح في عيون أطفالنا وهم يحتفلون&بهذه الذكرى،&سواء من خلال البزات العسكرية الصغيرة التي يرتدونها&أو&بإنشادهم&النشيد الوطني&بعفوية براءتهم.

نعم، نحن شعب عاطفي،&ليس فقط كلبنانيين بل كشعب عربي بشكل عام.&وهذه إحدى نقاط الضعف التي يبني عليها السياسيون&استراتيجياتهم&ليسيطروا علينا ويحكمونا&رغم&فشلهم، على خلاف الشعب الغربي الذي يتعاطى بمنطق العقل والحقوق اجمالاً؛&فمثلاً في دولة عظمى مثل أميركا ترفع مؤسسة إعلامية&(CNN)&دعوى على رئيس البلاد لما اعتبرته&إساءة بحق أحد مراسليها، أما في لبنان&فممكن أن تجد جيش إلكتروني من الشباب يدافعون عن سياسي&ما&بشراسة، علماً أنهم في قرارة أنفسهم&قد يكونوا يعرفون&أنه على خطأ،&ولكن يدافعون عنه&لأنهم يحبونه...&لأنهم&متعلّقون به عاطفياً!

اذا كان التعلّق العاطفي بالزعماء&هو النقطة السوداء التي أدت بنا إلى الهاوية الاقتصادية الاجتماعية&والمعيشية التي&نغرق بها، إلا أن التعلّق العاطفي بالوطن هو نقطة قوة لأنه يجعلنا نخلق الأمل من العدم ونعطي&حافزاً لأنفسنا بأن نعمل ليكون غداً أفضل!

في كل مناسبة وطنية، نكون في لبنان فريقان، فريق ينغمس عاطفياً بالذكرى حد التطرّف الذي ينسيه الواقع، كالنعامة التي تطمر رأسها في التراب وتقول أنا لا أرى شيئاً، وفريق آخر يتعاطى معها بتهكّم نابع من نقمة سوداوية يعيشها بتطرّف... وكلاهما ينتقد الآخر وأحياناً بقسوة جارحة!

كلاهما على حق وكلاهما مخطىء... وهنا&دور&الميزان بين العقل والعاطفة.

نعم نحن كشعب نحّب هذا الوطن أكثر بكثير من أولئك الذي عبروا فوق عواطف الناس ليصبحوا مؤتمنين على&بلد، وأساؤوا لهذه الأمانة.

نحن كشعب ليس لدينا سلطة لنغيّر مصير&بلدنا،&ولكن يمكننا بسلطتنا الصغيرة على يومياتنا أن نبدأ بالتغيير، كل من موقعه.

حب&الوطن ليس في الاحتفالات بالمناسبات الوطنية وإن كانت تدغدغ فينا مشاعر الوطنية؛&حب الوطن يكون بأن نبدأ بأنفسنا بالتغيير حيث نتمكّن، وكلّنا نستطيع أن نفعل شيئاً، لو مهما كان صغيراً&مثل أن نفرز نفاياتنا في منازلنا...&بالتراكم سنُحدث فرقاً.

حب الوطن ليس في رفع العلم الذي تتوسطه الأرزة، حب الوطن يكون في زرع هذه الأرزة والحفاظ عليها وعلى&المحميات والموارد الطبيعية&من التلوّث.

حب الوطن يبدأ&من أصغر تفصيل نعيشه في يومياتنا... شخص واحد لا يستطيع أن يغيّر ولكن الجماعة يمكن أن تغيّر،&وكثيراً.

حُكم علينا بسياسيين يُمعنون بخراب هذا البلد بعد عَماهم بفساد أنساهم&ماذا تعني الوطنية، ولكن لا شيء يبقى على حاله،&وحتى يأتي التغيير الحقيقي علينا أن نبدأ بأنفسنا... لأننا نحّب هذا الوطن!