آن للغشاوة التي صنعتها بعض التوجهات الدينية المتشددة أن تنكشح ، و آن للمجتمعات العربية المسلمة أن تستوعب المبادئ الإسلامية الصحيحة التي عطل دورها في فترة من الفترات من قبل تلك الجماعات ، و ما أحلوا محلها من نهج عدائي غير مبرر إنسانياً أو دينياً .

إن الواقع عموماً يفرض الحقائق التي لا يريد البعض أن يراها أو يراها غيره ، لأسباب قد تكون صحيحة حسب ما يرى هو ، و لكن أسبابه تلك و إن اتسمتفي ظاهرها بالدين ، لا تتجاوز مصلحة خاصة معينة لفرد أو لجماعة أو لجهة معينة متآمرة قد تصل إلى مستوى دولة كما فعل نظام الحمدين على سبيل المثال فقط و لن نسهب في موضوعه فهو لا يستحق أكثر من نصف سطر!

هذا ما حدث في فترة من الفترات القريبة على مدار بضعة عقود مضت ، أراد المتشددون أن تستمر مؤامراتهم التي استعانوا فيها بالتقرب و التودد للشعوب من خلال بوابة الدين الواسعة ، و التي تمكنوا بالفعل من المرور بها إلى العقول و الأفكار ، و زراعة معتقداتهم التخريبية ، بل و تكوين الكثير من الشخصيات العامة و صقلها ، لتصبح بعد ذلك امتداداً لهم في رسالتهم المقنعة ، و أبواقاً يصدحون بها شرقاً و غرباً !

مجال الدين و الدين الإسلامي على وجه الخصوص واسع جداً ، و يمكن للمتشددين التلاعب من خلاله عن طريق توظيف أحد جوانبه التوظيف السيء ، و استغلال عدم الدراية الكافية لدى الكثير من البسطاء بأحكامه و توجيهاته و المناسبات التي شرعت به تلك الأحكام و التوجيهات .

كما أسلفنا ذكراً ، أن هؤلاء قد عطلوا الكثير من المعاني الإنسانية في الدين الإسلامي و تجاوزا القيم المثلى التي نص عليها و انتهجوا التشدد و التطرف و الغلو ، لكن ذلك أصبح واضحاً الآن ، و لم تعد هذه الأساليب مجدية رغم استمرارهم فيها ، و أصبح الناس يبحثون عن السلام فهو أول تلك القيم ، و لاقتناعهم بعدم الجدوى من الكراهية و التشدد اللذان لا يؤديا في جميع الأحوال إلا للحرب و الدمار .

إن مبدأ السلام يتفق مع كل الأعراف الإنسانية و كل ما نصت عليه الديانات السماوية ، فهو برنامج متكامل للحياة ، يوعز على العطاء و الصدق و أمانة التعامل و بث دعوى الخير و المحبة ، و تحقيق هذه المبادئ السامية ينعكس على كل مجالات الحياة الفردية ، المجتمعية و الدولية .

فالسلام هو الجندي الساهر الذي يطوق دائرة تعاملات البشر ، و يقف دون دمارها و تخريبها من قبل الإرهاب و الحروب .

و تحقيق السلام هو واجب نص عليه الدين الإسلامي على وجه الخصوص ، بل أن السلام في المعتقد الإسلامي فرض أساسي و ركيزة لدعائمه ، و يلاحظ ذلك في اسم هذا الدين الجليل "الإسلام" و هو مأخوذ من السلام ، كما أنه دين متمم لما سبقه من أديان ، و تعاليمه الحسنة تنبع من ذات النبع الذي انتهلتمنه اليهودية و المسيحية ، رب واحد و تعاليم واحدة ، تدعو جميعها إلى تحقيق السلام بين البشر ، و تحذر من أصدقاء الشيطان الذين يعملون بكل تفانيلتحقيق غاياتهم بالإرهاب و زرع الفتن و لو كان ذلك على حساب حياة الأشخاص و أمنهم و استقرارهم .

آن للسلام أن يعود للشرق الأوسط بعد هذه العقود.