منذ مطلع الألفية الجديدة، لا تكاد وسائل الإعلام الغربية اليمينية المحافظة، والمتطرفة تنقطع عن الحديث بتقدير وإعجاب عن جيزال أوربي ، البريطانية من أصول يهودية، والتي اختارت أن تمضي كل الكتب التي أصدرتها إلى حدّ هذه الساعة باسم مستعار هو : يي أور (يعني ابنة النيل باللغة العبرية).
وكانت هذه السيدة البالغة الآن من العمر 85 عاما، قد بدأت مسيرتها الفكرية بكتاب عن "أهل الذمة" مخصصة إياه لحياة الأقليات اليهودية والمسيحية في ظل الخلافة الإسلامية. وقد لفت الكتاب المذكور اهتمام العديد من الباحثين والمثقفين الغربيين ذوي الاتجهات اليمنية ، فاعتبروه وثيقة مهمة يمكن اعتمادها لإثباب عداء الإسلام للديانات الأخرى.وفي عام 2005، خصصت مجلة "حياة الأفكار" الفرنسية ملفا خاصا للكتاب المذكور ولصاحبته باعتبارها من"المحذرين من غزو إسلامي لأوروبا"بواسطة أفواج المهاجرين القادمين من البلدان العربية والإسلامية. و
في عام 2006، عادت هذه السيدة للبروز مرة أخرى بعد أن أصدرت كتابا بعنوان "أورابيا" انتقدت فيه بحدة النخب الفكرية والسياسية في أوروبا التي بدأت تتخلى عن أصولها اليهودية-المسيحية ، مهملة شعوبها لتكون من جديد من "أهل الذمة" كما كان حال الأقليات اليهودية والمسيحية في ظل الخلافة الإسلامية. وقد لاقى الكتاب المذكور صدى كبير لدى مثقفين ومفكرين من المحافظين الجدد أمثال الأمريكي دانيال بايبس،والبريطاني نيال فارغيسون .وقد كتب الفرنسي ايفان جابلونكا يقول:» في ظل الحركة الرجعية التي انتعشت في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر -ايلول 2001، أصبحت بات يي اور مرشدة للمعادين للإسلام والمسلمين.وعندما ضربت العمليات الإرهابية أوروبا ، سارعت هي بالقول"ألم أكن أول من حذركم؟!». ومنذ سنوات، ومع تنامي الضربات الإرهابية ، بات كل الذين يكنون الكراهية للإسلام والمسلمين، يلجؤون إلى هذه السيدة ليطلبوا منها المعونة والنصيحة. وفي روايته"استسلام" التي يتخيل فيها الفرنسي ميشال ويلبيك صعود مسلم من أصول مغاربية إلى كرسي السلطة في قصر"الإليزيه"، يقول أحد الشخصيات:»بمعنى معين، لم تكن العجوز بات يي أور مخطئة في هلوستها من مؤامرة أورابية". ومعجبة بالإطراء الوارد في رواية ويلبيك، صرحت بات يي أور قائلة:» لقد كتب ويلبيك رواية عظيمة. من خلال شخصياته، وبطريقة عجيبة، وبسيطة، وعبقرية، مثل رسام ماهر، هو أنتهى بأن يرسم أورابيا. نعم، هذا شيء لطيف جدا". وفي البيان الذي كتبه قبل أن يقترف المجزرة الرهيبة في النرويج عام 2011، أشار أندرس بايفريك في أكثر من مرة إلى بات يي أور، معبرا عن إعجابه بها بأفكارها. وبعد أن استجوبتها الشرطة النرويجية، صرحت بات يي اور قائلة : » لا علاقة لي بجريمة برايفيك... وأظن أن الحكومة اليسارية في النرويج ترغب في الإنتقام مني، وإجباري على الصمت".
وراهنا عادت وسائل الإعلام الأوروبية المحافظة واليمينية المتطرفة لتمجيد بات يي اور بعد أن أصدرت سيرتها الذاتية في مجلة ضخم تحت عنوان" سيرة سياسية". وفي الفصول الأولى من سيرتها، تحدثت بإطناب عن طفولتها في القاهرة حيث ولدت عام 1933. وهو تنتسب إلى عائلة يهودية ثرية ومثقفة . وقد عاشت المخاوف الأولى عندما كان الجيش الألماني بقيادة الجنرال رومل يهدد باحتلال مصر. وفي عام 1945، شهدت العاصمة المصرية اضطرابات خطيرة أصابت الجالية بالفزع ، لذا شرعت عائلات كثيرة في الفرار إلى أوروبا. وتقول بات يي أور إن العداء اشتد تجاه اليهود بعد حرب 1948،مع ذلك ظلت عائلتها متمسكة بالعيش في مصر. إلاّ أن حرب السويس وما انجر عنها من مخاوف، جعلت العائلة تخير أخيرا مغادرة مصر نهائيا لتستقر في لندن وذلك عام 1957. وتقول بات يي اور بإنها أحرقت العديد من الوثائق الخاصة بها إذ أنها لم تكن تنقطع عن تالكتابة يوميا مستعرضة كل الأحداث السياسية والإجتماعية التي كانت تعيشها مصر في تلك الفترة. وهي تضيف قائلة بإن مغادرة عائلتها لمصر كان بمثابة الجرح الذي لا يزال يعذبها إلى حد هذه الساعة.
وفي لندن ، شرعت بات يي أور في تدوين ملاحظاتها ومذكراتها من جديدة، مستحضرة كل لحظة عاشستها في مصر،مركزة بالخصوص على الأحداث الأليمة، وعلى الجوانب السلبية،ومستعرضة حياة الجالية اليهودية والمسيحية .وقد اعتبر كتابها"أهل الذمة" الذي صدر في عام 1980 من قبل العديد من الباحثين الغربيين البارزين "مرجعا أساسيا" لفهم اوضاع الأقليات اليهودية والمسيحية في ظل الخلافة الإسلامية. إلاّ أن آخرين انتقدوا "عداءها المفرط"للإسلام،وتجاهلها للعديد من الحقائق التاريخية التي تتتناقض مع أطروحاتها واستنتاجاتها "المتعجلة"،وقرءاتها"الخاطئة" لمراحل مختلفة من التالاريخ الإسلامي. ويرى الفرنسي دومينيك افون أن جل أطروحات بات يي اور تحاول دائما أن تعمق الخلافات بين المسلمين واليهود والمسيحيين . ومن جانب آخر، هي تعالج موضوعا قديما مثل موضوع"أهل الذمة" إنطلاقا من منظر حقوق الإنسان في العصر الحديث. ثم أنها تركز كثيرا على ما كان يعرض له اليهود من مظالم في ظل الخلافة الإسلامية، غافلة عن الإشارة إلى ما كانوا يعرضون له من قمع ومن ملاحقات في الممالك المسيحية.بالإضافة إلى كل هذا، يرى دومينيك افون أن با يي اورتحاشت ذكر كل أعمال المفكرين العرب والمسلمين التي تدعو إلى التسامح، وإلى الحوار بين الأديان،"مشيطنة" العرب وحدهم، وغاضة الطرف عن مساوئ الشعوب الأخرى.
التعليقات