إثر معاناة استمرت لأكثر من سبعة سنوات شهد خلالها الشعب السوري العذابات ألوانًا في حربٍ بلغ عدد القتلى فيها قرابة 350 ألف شخص، منهم أكثر من 100 ألف مدني و بينهم اكثر من 20 ألف طفل، وذلك بحسب أقل تقدير، واستُنزفت من خلالها كل المقدرات الحيوية للدولة، ودُمرت فيها البنى التحتية، وجُربت خلالها معظم أنواع الأسلحة، وكانت مسرحًا مفتوحًا للعبة الأمم ورقعة لتصفية الحسابات لصراعات القوى الدولية والإقليمية والمحلية؛ ها هو العالم اليوم على أبواب مواجهة أوسع نطاقا يُتوقع أن تنخرط فيها الولايات المتحدة والغرب ، وكأن الحرب على وشك أن تبدأ لا أن تنتهي !
ففي وَقت ظهرت فيه بعض الإشارات لجهة التهدئة في الفترة الأخيرة، سارع النظام السوري إلى حَسم الموقف عسكريا لصالحه في الغوطة الشرقية عبر استخدام الأسلحة الكيماوية في مدينة دوما المتاخمة للعاصمة دمشق، مما وَضع القوى الكبرى أمام مرحلة جديدة تطلّب إتخاذ موقف، حيث تُحمّل معظم دول العالم والمؤسسات الحقوقية الدولية نظام الأسد مسؤولية الهجمات المؤكدة بالأسلحة الكيميائية، البالغ عددها 85 هجوما منذ بداية الحرب وكان آخرها في دوما مطلع هذا الشهر، فيما صدرت خلال الأيام الماضية من الولايات المتحدة إشارات واضحة توحي بعزم الاداراة الأميركية على توجيه ضربة للمنشآت العسكرية السورية، بالتزامن مع إخفاقات المساعي الدولية في التوافق على التحقيق حول استخدام نظام الأسد للسلاح المحرم دوليا.
وكما بات من الواضح أن الجهود الدولية لردع تلك الهجمات لم تكن مجدية،فيما مجلس الأمن عاجز عن اتخاذ اجراءات رادعة ، فبعد مرور عام على الهجوم الكارثي بغاز السارين على خان شيخون في 4 أبريل/نيسان 2017 واصل النظام استخدام الأسلحة الكيمائية في 25 فبراير/شباط 2018، عندما استخدم الكلور في الغوطة الشرقية المحاصرة لتكون مدينة دوما هي المحور الذي حوّل المسار في تعاطي واشنطن مع الشأن السوري بَعد ان كانت أعلنت عن نيتها في تقليص وجودها العسكري في وقت سابق على ذلك .
المحيّر في الموضوع والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن استفاق العالم فجأة بعد سبع سنوات عجاف؟ واللافت محاور عدّة واسئلة متنوعة منها:
أن دونالد ترامب كان من معارضي باراك أوباما لتوجيه ضربة للنظام السوري عام 2013 حين شن الأسد أوسع هجوما كيماويا في أغسطس آب من ذاك العام ، فيما نجد ترامب الآن يصف الأسد بعبارات حادة ويتوعده بضربة وشيكة، ثم يعود ويغرد اليوم بعدم تحديد الكيفية والآلية بذلك والتوقيت ، فيما سارع النظام الى الاستعداد لأي هجوم ومحتمل كما عملت الميليشات التابعة له على الانسحاب من المواقع القتالية .
ثم ان نظام الأسد سبق واستخدم الكيماوي وتم غض الطرف عنه ، كما كان مسؤولا عن تدمير مدن بأسرها وقتل الآلاف من المدنيين ، فهل القوى الدولية باتت تخشى على نَفسها أن تصبح خارج المعادلة السورية السياسية إثر التوافق الروسي التركي الإيراني الذي تبلور في الفترة الأخيرة و لا سيما لجهة الملف الكردي في الشمال السوري ؟ وهل الدول الغربية طفح بها الكيل تجاه روسيا لا سيما إثر أزمة تسميم الجاسوس في بريطانيا وطرد دبلوماسييها ؟
وهل التدخل العسكري الأميركي سيكون حاسما أم مجرد رسالة "تأديبية محدودة" الى النظام وشركائه من الدول الأقليمية ، لا سيما وان المصالح الأمريكية في الشرق السوري من الفرات حيث (النفط والمياه والثروات ) تقتضي بقاء توازنات معينة دون اقتلاع الأسد بل الابقاء على صورته الهشة في ظل انحسار دور المعارضة ؟
قبل هجوم دوما الكيماوي ، كانت إشارات المملكة السعودية عبر ولي العهد محمد بن سلمان و وزير الخارجية عادل الجبير تصب في اتجاه إعادة تأهيل النظام السوري حال فك ارتباطه مع ايران، بيد ان النظام حاول انهاء ملف الغوطة بالغارات السامة .
على أية حال تبقى حقيقة محورية واضحة تمام الوضوح مفادها أن كل الحروب جائرة وليست الأخلاق الحميدة التي تتحكم في مسارات الحروب وديبلوماسية الدول بل لعبة المصالح والسيطرة و تقاسم النفوذ، ولا يوجد على الحقيقة من يهمه آلام البشر !
وسواء اتجه الوضع نحو مزيد من التصعيد الواسع او المحدود أم اتجه نحو التهدئة والتسوية ، فإن الخراب الهائل الذي حلّ بسوريا ، علاوة على الفوضى والفساد المستشري في الدول المجاورة كالعراق ولبنان لا ينذر بالخير .
فمعظم شعوب المنطقة تُطحن بين سندان الاحتلالات الخارجية وطغيان الأنظمة بالداخل واستفحال المليشيات فيها وتجك الفاسدين في مرافق المؤسسات العامة.في ظل قهر سياسي واضح يعمد الى اخضاع الشعوب لأوهام عناوين تكرس الأزمة بقدر ما تعكسها.
التعليقات