انتهت الانتخابات العراقية التي بدات واعدة بانبثاق كتل جديدة وانقسام احزاب كبرى بشرت بصحوة قادة هذه الاحزاب ورغبتهم بكسر قاعدة التخندق الطائفي والحزبي ، ثم توالت احداث الحملات الانتخابية الى الدرجة التي اصبحت الكوميديا تضاهي كوميديا دانتي الالاهية فصارت تسلية للمواطن العراقي المجروح في قيمته والمتروك للتشرد والتهجير والعالق في دوامة الفقر والاهمال .

رأينا رجال دين يتمايلون في خطابهم بين الانفتاح والتمدن ورأينا يمينيين يتحولون الى دعاة لقبول الاخر. وتفرجنا على اصدقاء الامس يبارزون احدهم الاخر واعداء الامس يقبلون بعضهم الاخر. وايضا يسارا يختبيء في عمامة رجل الدين دون احترام لذكرى ماركس ودون احترام لجمهور كان يتفاخر بحزبه الذي صمد امام تقلبات الزمن وسطوة الاسلام السياسي والتشدد الديني لتتحول نسخة العراق اليسارية الى كائن مشوه.

احزاب كبرى معروفة بانضباطها الحزبي الذي تضمنه القوى الاقليمية رأيناها تنقسم وتتشضى في محاولة لكسب المخالفين والمختلفين عبر تقديم صور مختلفة لذات الحزب فيتحول الجناح المعتدل وكذلك المتشدد الى تحالفات متعددة في وقت حملات الانتخاب مع اتفاق تحت الطاولة على العودة الائتلاف بعد الانتخابات، طريقة جديدة في خداع الجمهور لم يضاهيها اعتى نجوم خفة اليد والثلاث ورقات – كما يقول اخواننا المصريون - وتضيف عاملا جديداً من عوامل التسلية والترفيه للانتخابات العراقية.

ولكن التسلية سرعان ما انتهت يوم الانتخابات وتكشفت الوجوه الحقيقية لتعلن ان وقت التملق والتلون واضحاك الجمهور انتهى وحان وقت الضحك عليهم .

على الاغلب النتائج لن تأتي باي جديد لا تزال التوزيعة الطائفية والعرقية هي سيدة الموقف داخل البرلمان. وسرعان ما سيبدأ مارثون تشكيل الكتلة الاكبر عبر سلسلة من التوافقات المعقدة والصفقات المشبوهه بين الكتل والكيانات السياسية.

الصفقات التي سقفها الاعلى هو المناصب القيادية والوزارات السيادية نزولاً الى ان تصل لمستوى المنح والصفقات المالية. هذا هو السيناريو الذي تكرر في كل الانتخابات البرلمانية السابقة والذي يتوقع ان يكون اكثر شراسة هذه الدورة خاصة مع وجود تلميحات عن تغير في توزيع المناصب الرئاسية الثلاث، ورغبة الحزب الاكبر في البرلمان ان يستحوذ على كافه الوزارات الرئاسية. 

كان يفترض بهذه الانتخابات ان تكون نقلة نوعية في تاريخ العراق السياسي المتعثر مابعد ٢٠٠٣، وان تثمر عن تشكيل حكومة قوية تحضى بقبول عادل من مختلف شرائح الشعب وطوائفه وقومياته خاصة مع وجود ثلاث متغييرات خطيرة .

الاول انها الانتخابات الاولى ما بعد الحرب على داعش وما رافقها من تدمير شبه كامل للمناطق المحررة .

الثاني بركان الصراع الاقليمي والدولي الذي صار جاهزاً للانفجار وان تغرق حممه المنطقة بسلسلة من الاحداث والتطورات الحاسمة التي لا تستبعد الحرب العسكرية.

الثالث لان الاقتصاد العراقي وصل الى خط اللاعودة وصار ينذر بكارثة افلاس وانهيار لمؤسسات الدولة.

ولكن كل الاحداث السابقة ليوم الاقتراع واللاحقة عليه تدل ان النظام السياسي في العراق لم يستطع ان يكسر لعناته الثلاث المال الفاسد والمليشيات والتبعية الاقليمية والدولية. وعليه مهما كانت نتائج الانتخابات تقدم تغييرات الا ان المحاصصة الطائفية لاتزال سيدة الموقف وهي باتم صحتها بعد ان وجدت في التعطش الى السلطة اكسيرها للديمومة. انتخابات العراق نسخة 2018 لم تكن عابرة للطائفية كما وصفها الاعلام الغربي الذي لايزال يتعامل مع الملف العراقي بسذاجة، العبور الوحيد الذي حققته هذه الانتخابات هو العبور فوق الديمقراطية تحقيقاً لمصلحة القوى السياسية وبقائها جاثمة فوق اعناق العراقيين لاربع سنوات قادمة .