أتطرق في الجزء ما قبل الاخير باختصار، إلى ( الموقف الأمريكي من العراق وإقليم كوردستان، كما نجيب على سؤال الذي طرحه السيد مسعود البارزاني بعد تنحيه عن منصبه رسميًا كرئيس إقليم كوردستان، "لماذا تريد واشنطن معاقبة كوردستان؟"
لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة:
ليس هناك عداء مطلق ولا صداقة مطلقة في السياسة بل هناك مصالح مطلقة، اذن هذا هو منطق الأصل المذكور في اللعبة السياسية ( اي ان المصالح قبل كل شي)..
وهنا من الضروري ان نراجع ما قالتها (كونداليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بعد ان اسقط صدام حسين ونظامه الفاشي في 9 من نيسان ابريل عام 2003 على يد قوة دولية تقودها الولايات المتحدة في حرب استمرت نحو ثلاثة أسابيع فقط .
قالت ( رايس ) أثناء اللقاء الذي عُقِد في (معهد بروكينجزـ Brookings Institution )*: إن السبب الحقيقي وراء اتخاذ واشنطن قرار شن حرب العراق عام 2003 هو إسقاط نظام صدام حسين وليس لجلب (الديمقراطية )كما أشيع سابقا. ومضت تقول "ذهبنا إلى العراق بسبب مشكلة أمنية بحتة تتعلق بوجود( صدام حسين )في الحكم لكننا لم نذهب لجلب الديمقراطية..!!
الخسائر الامريكية:
كشف تقريرأعده (معهد واتسون للدراسات الدولية في جامعة براونالأمريكية ) أن الحرب الأمريكية على العراق عام 2003، لم تكن سهلة كما توقعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وأنها تكلفت أكثر من 2 تريليون دولار.فقد أظهرت نتائج الغزو الأميركي للعراق بعد مرور 10 أعوام، أن الحرب كانت مكلفة وطويلة، بخلاف وعود إدارة جورج بوش الإبن،وأوضح التقرير أن إدارة بوش قدرت تكلفة الحرب بين 50-60 مليار دولار، لكن الاحتلال الأمريكي للعراق دام نحو 9 سنوات، وبلغت تكلفته 2.2 ترليون دولار، مع احتساب مصاريف الرعاية الصحية للعسكريين المشاركين في الغزو ورواتبهم الشهرية، ومن المتوقع أن يصل الرقم 3.9 ترليون دولار.
كما أظهر استطلاع جديد لصحيفة واشنطن بوست أن 58 % من الشعب الأميركي يرى، أنه ما كان ينبغي أن يقع الاحتلال، الذي أدى إلى مقتل آلاف من العسكريين الأميركيين.اضافة الى الأعداد الكبيرة من الجنود الذين شاركوا في حرب العراق عادوا إلى أمريكا وهم مرضى عقليا وجسديا سوف ترافقهم طيلة حياتهم، هؤلاء لم يسجلوا ضمن الأعداد السالفة الذكر....
ليس لامريكا اصدقاء:
ان الولايات المتحدة الامريكية التي قادت قوات التحالف الدولي والقوى الاقليمية في عام 1991، لم تكن تريد ان ينهار نظام الدكتاتور صدام حسين على ايدي ابناء الشعب العراقي الذين انتفضوا في اذار عام 1991، لايمانها بان ( نظاما ضعيفا خير من بديل عير معروف لا ترضى عنه امريكا والدول الاقليمية .
دور امريكا في قمع انتفاضة عام 1991:
انطلقت الشرارة الاولى لانتفاضة اذارعام 1991 بعد قيام احد الجنود العراقيين المتذمرين من سياسات الدكتاتور صدام حسين وانسحابه من الكويت، باطلاق النار على لوحة جدارية لصدام حسين في مدينة البصرة، وكانت بمثابة تفجير للغضب الكامن في صدور العراقيين ضد الطغمة البعثية الحاكمة، وسرعان ما انتقلت الانتفاضة الشعبية الى بقية المدن مثل الناصرية والعمارة والنجف وكربلاء لكنها لم تستمر لاكثر من اسبوعين وخاصة بعد ان سمحت الولايات المتحدة لصدام ونظامه الفاشي بسحق الانتفاضة واستخدام الطائرات المروحية والسمتيات للسيطرة على المدن المنتفضة باستثناء اقليم كوردستان.
قام النظام البعثي الفاشي بقمع الانتفاضة الشعبانية وقتل اكثر من 3800 شخص في كربلاء وارتكب جرائم بشعة مازالت لحد الآن تكتشف المقابر الجماعية لضحايا الانتفاضة، حتى ان السفير الامريكي في العراق صرح فيما بعد ان احد اكبر اخطاء امريكا في العراق انهم تركوا الشعب العراقي لحاله في هذه الانتفاضة مما ادى الى ارتكاب جرائم الابادة من قبل نظام الدكتاتورصدام حسين .
ان الوثائق الموجودة في ارشيفي تؤكد استشهاد اكثر نصف مليون عراقي خلال الانتفاضة الشعبانية، في حين التزمت امريكا الصمت تجاه هذه الجريمة البعثية البشعة.
خلاصة القول : ان من يراجع التاريخ يعرف جيدا بان ليس للولايات المتحدة أي أصدقاء بل مصالح فقط .
صدام حسين الذراع الامريكي الضارب في الشرق الاوسط :
استخدم الامريكيون (صدام حسين ) ذراعهم الايمن في الشرق الاوسط لتحجيم الثورة الاسلامية في ايران ولغزو الكويت وادخال الجيش الامريكي للمنطقة لأول مرة في التاريخ ..
نعم..صدام حسين الذي هدد كل جيرانه فدفعهم للاستنجاد بأمريكا والنتيجة كما نراها اليوم: تحول الشرق الاوسط إلى ساحة لعربدة الامريكيين بسبب حماقة الدكتاتور صدام حسين ، وبعد ان اصبحت المنطقة تحت سيطرتها، اسرعت واشنطن الخطى نحو الحرب على النظام البعثي (الحليف القديم ) بغية ازالة العصابة البعثية الحاكمة وتغييرها بوجوه جديدة وحسب طلبها .
والسؤال الذي يطرح هنا : اين كانت امريكا عندما ارتكب النظام البعثي الفاشي طيلة فترة حكمه جرائم وحروبا داخلية استخدم فيها شتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا ضد الكورد والشيعة على وجه الخصوص؟
البارزاني لم يكن طارئاً على العمل السياسي، ولكنه لم يتقن على ما يبدو أصول اللعبة، فجاءته الصدمة :
أكد مسعود البارزاني بعد نكسة كركوك ، أن ما حدث ليلة 16 أكتوبر خيانة قومية عظمى، في إشارة إلى انسحاب بعض القوات الكوردية من كركوك ، واعتبر البارزاني في خطابه المتلفزعقب قرار نقل صلاحيات منصبه الرئاسي إلى حكومة وبرلمان الإقليم ، أن الحكومة المركزية في بغداد اتخذت من الاستفتاء ذريعة لمهاجمة الإقليم ، كما اكدعلى المقولة الكوردية المأثورة (أن لاصديق للكورد غير الجبال)..
وانتقد الولايات المتحدة لسماحها باستخدام الحشد الشعبي لدبابات (أبرامز) ضد البيشمركة في كركوك وطوزخورماتو خلال احدث 16 اكتوبر.
سذاجة البارزاني:
لماذا لم يتمكن البارزاني هذا السياسي المحنك والمخضرم حتى الآن من تحليل الخطأ الذي ارتكبه ؟ لماذا لم يتقن البارزاني أصول اللعبة الدولية والاقليمية وحتى الداخلية؟ لماذا وضع البارزاني كل بيضه في سلة امريكا؟ كيف نسى البارزاني غدر امريكا بالكثير من الحكام والرؤساء العرب وغير العرب واخرهم صدام حسين ( الذراع الايمن لامريكا )؟ كيف نسى البارزاني الغدر الذى برز من امريكا تجاه الكورد عنما تخلت عنهم وهو شاهد على الخفايا والاسرار الكاملة لانهيار الحركة الكوردية في عام 1975 على إثر توقيع اتفاقية الجزائر المشؤومة بين العراق وإيران في آذار 1975 بهدف إنهاء المنازعات الحدودية ومنع الاعتداءات والتسلل عبر الحدود، فتعرّض الكورد بذلك لنكسة كبيرة أنهت ثورتهم بقيادة (الملا مصطفى البارزاني ) ؟ كيف نسى البارزاني عندما أغمضت الإدارة الأميركية عينيها عن ممارسات النظام العراقي البائد في الثمانينات من القرن الماضي وتحديدا في عام الانفال؟
للاجابة على هذه التساؤلات لابد ان نضع النقاط على الحروف وندع عتاب البارزاني للولايات المتحدة جانبًا.. ونقول بكل بساطة ، ان القيادة السياسية الكوردستانية والسيد البارزاني تحديدا هو السبب الرئيسي وراء ما وصل إليه الاقليم باعتباره كان رئيس الاقليموالقائد العام للقوات المسلحة ، حيث كان عليه ان لاينسى دور امريكا من كل ما جرى سابقا من تهجير وتنكيل بالشعب الكوردي، كان على البارزاني ان لاينسى بإن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تاريخ حافل بالغدر والخيانة على حساب مصالحها وان الكورد دائما كان في مقدمة الضحايا... ،كان عليه ان لا ينسى بان الولايات المتحدة الامريكية لم تُسقط النظام العراقي من اجل سواد عيون العراقيين والكورد تحديدا... !
نعم ..بكل بساطة تناسى البارزاني مقولة السياسي البريطاني المحنك وينستون تشرتشل حين قال: (في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم وإنما مصالح دائمة) ،وعليه قبل ان يعاتب البارزاني امريكا ( عدوة الشعوب ) عليه ان يعاتب نفسه لانه لم يتقن اصول اللعبة السياسية وعليه حصل ما حصل لشعب اقليم كوردستان .
اخيرا :
نسى البارزاني بان امريكا لا تتخلى عن مصالحها في المنطقة من اجل تاسيس( دولة كوردية ) لانها لا تستطيع ان تبني عليها حساباتهات ومصالحها واستراتيجياتها واهدافها في المنطقة .
(يتبع )
التعليقات