منذ سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الامريكية في 4 نيسان ابريل من عام 2003، حصل خلل في التوازن الإقليمي لم يكن لصالح دول المنطقة، وبعد ان أرست وزارة الدفاع الامريكية عن طريق الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر نظاماً سياسياً مبني على دستور موضوع مليء بالثغرات التي سمحت لزعماء الكتل والطوائف بإظهار العراق دولة مقسمة اجتماعياً واذكت حرباً طائفية مصطنعة تحت طاولة دول لها مصالح مشبوهة راح ضحيتها الالاف من أبرياء الشعب العراقي. تدخلت إيران وبشكل معلن في الصراع السياسي وتصرفت وكأنها الخليفة الشرعي للمشروع الأمريكي الذي تخلت عنه الولايات المتحدة.
الحكومات التي انتجتها ما يسمى بالعملية السياسية في العراق لم تأخذ بعين الاعتبار إعادة الاعمار وبناء البنية التحتية او المحافظة على البيئة بل استغرقت بالصراع على السلطة والنفوذ وتوالدت أحزاب مع الشحن الطائفي الداخلي شكلت مليشيات خطرة ارهبت الشعب والحكومة على حد سواء واظهرت نفسها شريكاً واحياناً وصياً على الدولة والثروة العراقية وفق قوانين المحاصصة المعمول بها الى الان في توزيع المال والسلطة والنفوذ بين زعماء الطوائف والأحزاب والمليشيات.
خلل إقليمي احدثته مليشيات سُلحت بأموال عراقية وسلاح إيراني
في ضوء السرد التاريخي-لا داعي لذكره- المتوفرة تفاصله الى الان في الوثائق العالمية ظهر الخلل الاقليمي بابتلاع العراق من قبل جارته الكبيرة إيران وحولت القوى السياسية والحزبية والدينية الى دوائر سياسية تصب بمصلحة حكومة إيران الطموحة بالسيطرة على المنطقة والدفاع عن تدخلاتها سياسياً وعسكرياً بمليشيا عراقية تسلحت تسليحاً جيداً بأموال العراق المنهوبة عنوة من خزينة الدولة العراقية. المليشيات والأحزاب المدافعة عن المصالح الإيرانية على الرغم من انها اساءت الى الدولة العراقية بسرقة المال العام وعدم احترام قوانين الحكومة وفرض الاتاوات على الشركات العاملة في العراق وعرقلة إعادة الاعمار، يبث اعلامها باستمرار بان وجودها لحماية الحدود ولولا تلك المليشيات لبقي داعش الى الان في الموصل والمحافظات الغربية. ولكن في واقع الحال انها ركبت موجة تشكيل الحشد الشعبي وتصدرت الجماعات التي هبت بفتوى دينية لمحاربة داعش وتحرير الموصل، ومع ذلك أعطت لنفسها السطوة الكاملة والبطش بالشعب العراقي ووقفت ضد مطالباته بحقوقه الأساسية هذا الشعب المنهك الذي دمرته الحروب والازمات الاقتصادية والفتن الطائفية والتقسيم المخطط له من قبل رؤوس مازالت تقبع في المنطقة الخضراء وتعتاش على واردات نفط البصرة التي هي عبارة عن خرائب يسكنها المعدمون من أبناء العراق.
تظاهرات العراق لا تحمل لافتة طائفية او دينية بل اظهرته شعبا حريصا على بلده أكثر من الحكومة والأحزاب
من هنا نلمس سر التظاهرات في العراق وتوجيه خطابها ضد الأحزاب والمليشيات والتواجد الإيراني، رغم الالام وجراحات الشعب العراقي الذي غيبته حكومات العملية السياسية سيئة الصيت لكنه للأسبوع الثالث على التولي مستمر بالتظاهر والمناداة بأسقاط العملية السياسية وطرد الأحزاب والتحكم الإيراني من العراق. الان يقدم الشعب العراقي فرصة للدول المتضررة من النشاط الإيراني وخصوصاً المملكة العربية السعودية والكويت للوقوف مع هذا الشعب المظلوم ودعمه للتخلص من النظام السياسي المارق برمته والاعلان عن حكومة انقاذ وطني تعيد العراق الى دوره العربي وتبعده عن الصراع الإقليمي كي لا تكون ارضه بيئة لصناعة المليشيات المسلحة لأرباك المنطقة وارهابها وتحولها الى ماكينات إرهاب كبرى عن طريق الاستفادة من فرض الاتاوات على النسيج الاقتصادي والشراكة بثروة العراق النفطية والمصالح الحيوية.
الشعب سيقف مع أي شخصية تتصدى
لتشكيل حكومة انقاذ وطني
وإلغاء العملية السياسية سيئة الصيت
صعود المليشيات والأحزاب والكتل والتيارات الدينية التي تنفخ بالبعد الطائفي،والغنى الفاحش للأحزاب والشخصيات السياسية من سرقة أموال الدولة العراقية والتلاعب بثروة البلد جعلت الشعب العراقي بوضع اقتصادي واجتماعي وتعليمي وصحي يصل الى حد الكارثي. الانتظار ليس لصالح الدول الإقليمية المتضررة من نظام المحاصصة الطائفية في العراق بل يجب التدخل والضغط عن طريق العلاقات الدولية والإقليمية لدعم شخصية عراقية عسكرية او مدنية تبدي استعدادها لإنقاذ الشعب العراقي وإلغاء النظام السياسي وكتابة دستور جديد لا يحتوي على ثغرات الدستور الحالي ومن خلال الحراك الشعب العراقي الجاد والذي لا يرفع أي شعار طائفي او ديني بل يريد الخلاص من النظام السياسي المفروض عليه بالقوة ، سيقف وراء أي شخص وطني يتصدى لإنقاذ هذا الشعب الذي يتعرض للموت وحرارة الشمس اللاهبة لاسترداد بلده في كل يوم ، وينادي لحل جميع الأحزاب والمليشيات وطردها من التحكم بالمدن العراقية مستغلة بساطة العراقيين وميولهم الديني والمذهبي من اجل تحقيق مصالح مشبوهة الهدف منها تحويل العراق الى ورقة ضغط لطموحات وصراعات سياسية ليس للشعب العراقي فيها اية مصلحة.
التعليقات