أسامة مهدي من لندن : لم ينجح وفد من علماء الدين الاكراد في الحصول على فتوى من المرجع الديني الاعلى اية الله السيد علي السيستاني حول عائدية الاراضي التي صادرها نظام صدام حسين من الاكراد والتركمان في شمال العراق وخاصة في مدينة كركوك وسلمها الى العرب الذين استقدمهم من وسط العراق وجنوبه غير انه اوصاهم باسترجاعها عن طريق المحاكم الشرعية وعدم اللجوء الى القوة والعنف داعيا الى الرفق في طلب هذه الحقوق .

جاء ذلك خلال زيارة لوفد من اتحاد علماء الدين الاسلامي في السليمانية للسيستاني في مدينة النجف ضم 13 فردا يترأسهم رئيس الاتحاد الشيخ محمد أمين عبد الحكيم جمجمالي وكشف النقاب عن تفاصيله اليوم حيث طرح الوفد على السيد السيستاني مسألة الاراضي العائدة للاكراد في كركوك والتي اغتصبها النظام السابق من أهلها وسلمها الى عرب استقدمهم من مناطق اخرى واسكنهم عليها وقدم له مذكرة وقع عليها 1292 شخصا من أصحاب الاراضي الشرعيين .

وسلط رئيس الاتحاد الاضواء على العلاقات التاريخية والاخوية بين الاكراد والعرب "والعلاقات الاخوية بين علماء الدين الاكراد السنة وعلماء الدين الشيعة طوال التاريخ من اجل خدمة الدين الاسلامي والشعب والوطن وفي مواجهة الدكتاتورية.. وتمنى ان يكون اللقاء المقبل في مدينة السليمانية ودعا الوفد سماحة السيستاني الى زيارة مدينة حلبجة التي ضربها النظام السابق بالاسلحة الكيمياوية عام 1988" كما قال مصدر في الاتحاد .
وتضمنت المذكرة شرحا لعمليات التطهير العرقي والتعريب التي مارسها النظام السابق في مدن كركوك وخانقين وجلولاء ومندلي وسنجار وشيخان والظلم الذي لحق بالاكراد والتركمان.. وتمنت على السيستاني "القيام بدوره كأكبر مرجع ديني ويستخدم ثقله لانهاء اثار تلك السياسات الشوفينية التي مورست بحق الكرد والتركمان واعادة اموالهم وممتلكاتهم وبيوتهم المسلوبة التي صادرتها السلطة البائدة " .

ومعروف ان النظام العراقي السابق ومن اجل تغيير ديموغرافية بعض المدن الكردية والتركمانية في شمال العراق فقد قام بترحيل الالاف من عوائلها قسرا الى المناطق الوسطى والجنوبية ثم قام باستقدام عوائل عربية من هذه المناطق واسكنهم مكانها وذلك خلال فترة السبعينات والثمانينات .. وبعد سقوط النظام العام الماضي عادت العديد من العوائل المرحلة الى بيوتها ومزارعها وطردت العوائل العربية التي استوطنتها طيلة السنوات الماضية الامر الذي خلق مشاكل جديدة .. اضافة الى ان النزاع الكردي التركماني حول مدينة كركوك وما اذا كانت كردية او تركمانية يشكل قنبلة موقوتة بين الطرفين لذلك يؤكد العديد من السياسيين العراقيين وفي مقدمتم الرئيس غازي الياور على ابقائها مدينة للتاخي بين العراقيين حيث يسكنها مواطنون اكراد وتركمان وعرب يزيد عددهم على 900 الف نسمة .

وعبرت وزارة الخارجية التركية امس عن استيائها للجهود التي يبذلها الاكراد بهدف تغيير التركيبة السكانية لمدينة كركوك النفطية في شمال العراق التي شهدت عملية تعريب قسرية سابقا . واكدت الوزارة في بيان ان وفدا من الدبلوماسيين الاتراك زار المدينة بين السادس والحادي عشر من الشهر الحالي و"لاحظ جهودا جدية مدعومة باعمال بناء على طريق تعديل التوزيع السكاني لكركوك". واضافت الوزارة ان "هذا الوضع يشكل مصدر قلق لمختلف مكونات الشعب العراقي"، مؤكدة ضرورة "تجنب خلق اي امر واقع في هذه المنطقة".

وتخشى تركيا التي تدعم الاقلية التركمانية الناطقة باللغة التركية ويقيم معظم افرادها في كركوك ان تؤجج سيطرة اكراد العراق على مصادر النفط في المنطقة نزعتهم الى الاستقلال كما تخشى من ان يؤدي ذلك الى احياء التطلعات الانفصالية للاقلية الكردية في جنوب شرق البلاد قرب الحدود العراقية.

وكان نائب رئيس الاركان التركي الجنرال ايلكر باسبوغ حذر من اي محاولة لتغيير التوزيع السكاني في المدينة وقال ان "تطورا من هذا النوع سيثير في تركيا قلقا عميقا على الامن" في المنطقة. واجاب السيستاني بالقول " ان ما جاء في مذكرتكم من الفها الى يائها حق وموافقة مع الشريعة الاسلامية السمحة.. والاكراد شعب يعيش على ارضه ووطنه منذ الاف السنين ولكن يتعرض الى الغبن والمظالم باستمرار.. اخواني انتم على حق ومن جاء على ارضكم مسيئون .. نحن من الاكراد والاكراد منّا، انا احب الشعب الكردي كثيرا وتمنيت ان اعرف التحدث باللغة الكردية .. و لا اضافة عندي حول مذكرتكم" واضاف لكني اطلب من الاكراد شيئين:

أولا .. ارجو ان تحل تلك المشاكل عن طريق محكمة وطنية مختصة ويعيد الحق الى صاحب الحق المسلوب.
ثانيا .. اطلب منكم ان تكونوا مسامحين واعفوا عن هؤلاء، لان اغلب الذين استقدموا على ارض كردستان اجبروا قسرا والآن من الضرورة ان تتذكروا ما قد يتعرضون له هؤلاء العرب من خسائر.

وسمح المرجع الاعلى بالتقاط صور فوتوغرافية مع الوفد الزائر موضحا انها المرة الاولى في حياته التي يسمح فيها بالتقاط صور له مع الوفود " وهذا دليل على احترامه وتقديره لعلماء الدين في كردستان" .

وفيما يلي نص المذكرة التي قدمت للسيستاني:
سماحة المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني المحترم
السلام علكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
نحن علماء الدين الاسلامي في كردستان العراق كنا ومازلنا نكن كل الاحترام والتقدير لاخوتنا الشيعة بشكل عام ولحوزاتها العلمية ومراجعها المبجلين بشكل خاص..
ونقدر مواقفكم الشجاعة تجاه القضايا المطروحة اليوم على الساحة العراقية، ولا ننسى الموقف التاريخي لسماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم حيث وقف بكل حزم ضد استحلال الدم الكردي وغزوه..
كما نتذكر المرارة والمآسي التي حلت علينا وعليكم وعلى كل الاحرار من ابناء العراق طوال خمس وثلاثين سنة من الحكم الطاغوتي الاستبدادي البائد الذي طغى وبغى علينا جميعا، حتى اخذه الله اخذ عزيز مقتدر.. فانتقم من الظالمين وانتصر للمظلومين والمستضعفين كما قال تعالى في كتابه المبين : بسم الله الرحمن الرحيم
[ ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ]
فعلينا ان نغتنم هذه الفرصة الثمينة لنصنع نحن العراقيين وحدة نموذجية مثالية رصينة بين المكونات الاساسية للشعب العراقي، وحدة لا تهزها الاعاصير ولا تتخللها الاباطيل مبنية على اسس التوافق، وعلى قواعد ثابتة ترضي جميع الاطراف لتمتد محاسنها ومصداقيتها وخيراتها الى الاجيال القادمة.
نصنع عراقا جديدا حرا مستقلا ومزدهرا يسوده الامن والسلام والاخوة والوئام يحكم فيه ابناؤه بالعدل فيردوا المظالم فيما بينهم ويعطوا كل ذي حق حقه..
ولاشك بان هذه الامنيات لا تتحقق الا عن طريق ازالة آثار الظلم الواقع على المظلومين واخذ الدروس والعبر من اعمال الظالمين.. كي لا نقع في اخطائهم فيحل بنا ما حل بهم. كما قال سبحانه وتعالى : [ وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال ].
وعلى ضوء هذه الآية المباركة فان النجاة كل النجاة، والفوز كل الفوز يكون في ازالة آثار الظلم والاستبداد واجتثاثها من جذورها..
ولا يخفى لديكم بان النظام الدكتاتوري المقبور قد مارس بحق ابناء شعبنا في مدن كركوك وخانقين وسنجار ومندلي وغيرها سياسة التطهير العرقي، وقد سلك لتنفيذ هذه السياسة الخبيثة خططا شيطانية، فأراد ان يصيب هدفين بحجر واحد، فجاء بآلاف مؤلفة من اخوتنا الشيعة الى كردستان (بالترغيب والترهيب) واسكنهم فيها بغير وجه حق، فجعل منهم اداة للاستيلاء على اراضي المواطنين الكرد والتركمان من الذين رحلهم النظام قسرا او تركوا دارهم وديارهم خوفا من بطش صدام ونظامه الجائر، اراد ان ينفذ مآربه الخبيثة من خلال :
1- تغيير الواقع السكاني والجغرافي لمدينة كركوك وغيرها من المدن، ليجعل من العنصر العربي اكثرية في المنطقة مقابل الحجم السكاني للكرد والتركمان.
2- زرع بذور التفرقة والعداوة والبغضاء بيننا، حيث ان الكرد والشيعة هما القوتان المعارضتان الكبيرتان اللتان كانتا تهددان صرح الدكتاتورية، وبذلك قد ينجز ما يريده من التعريب والتطهير العرقي للشعب الكردي من جهة، ويثير التفرقة والعداوة والاقتتال بين عدويه القوتين الكبيرتين الشيعة والكرد لتمتد الى اجيالهما القادمة من جهة اخرى.. ويبقى هو متفرجا منتصرا.
ولكن مشيئة الله جاءت على عكس ما خطط له الظالمون، فبعد تحرير العراق من الدكتاتورية، لا الشعب الكردي هاجم (العرب الوافدين) ولا الاخوة الشيعة تركوا صداقة الكرد ومحاباتهم، اذ كلا الجانبين لم ينسيا مرارة الماضي حين كانا اصدقاء في ايام المحن وشريكين في تلقي الويلات والمآسي والكوارث التي كان النظام الطاغوتي يوزعها عليهما سوية.
مولانا الفاضل ..
والآن وبعد مضي اكثر من سنة على اسقاط الدكتاتورية وانطلاقا من مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر نرجو من سماحتكم ان تقوموا بدوركم الريادي كما هو ديدنكم.. لتوجهوا كلمتكم العادلة والمسموعة للاخوة الذين غررهم النظام البائد وجعلهم اداة لسياسته العنصرية الا يستمروا على اغتصاب اموال وممتلكات واراضي الغير، فقد قال رسول الله (ص) "من اقتطع شبرا من الارض ظلما طوقه الله يوم القيامة اياه من سبع ارضين"، وقال (ص) "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
وان الاستيلاء على اموال الغير بالتعدي (يعد اغتصابا) والغصب محرم بالاجماع ومن الكبائر ايضا وحتى انه ورد في الفقه الاسلامي (انه اذا نقل الغاصب ترابا من ارض المالك فعليه رد التراب بعينه).
واذا كان الغصب من الكبائر وهو حاصل ولو بغصب شبر من الارض وفق ما ورد في الحديث الشريف، فكيف تكون عقوبة الغاصب اذا كان المغصوب دارا او محلة او منطقة واسعة.. لاسيما في هذه الحالة حيث تم اغتصاب هذه الاراضي من اجل تنفيذ غاية اخطر من ذلك وهي سياسة التطهير العرقي وتغيير الواقع القومي والسكاني لشعب يسكن هذه الاراضي منذ آلاف السنين..
واذا كان الاخوة (الوافدون) قد جاءوا في حينه تحت تهديد الطاغية او خوفا من العقاب والارهاب كما كان يبرر له سابقا في عهد الطاغية، فان هذا الخوف والتهديد قد زالا بزوال النظام فلا يوجد مبرر لبقائهم فيما بعد..
واذا كان البعض يقول ان العراق لكل العراقيين لهم حرية السكن وحرية التنقل في جميع ارجائه، فنحن نقول نعم هذا صحيح، ولكن كما قال سيدنا الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) "انها كلمة حق اريد بها باطل" لان (الاخوة الوافدين) لم يأتوا فرادى ولم يأتوا من اجل السكن، وانما اوتي بهم افواجا ومجموعات لغاية اخرى وهي اشد وقعا واعظم خطورة من الغصب.. الا وهي تغيير الواقع الديموغرافي وتشويه الحقائق الموجودة على الارض وخدمة للسياسة العنصرية البعثية البغيضة وليس للسكن.. ومع ذلك نحن نؤيد تعويض الجانبين من الوافدين والمشردين تعويضا عادلا انطلاقا من مبدأ قوله (ص) : "لا ضرر ولا ضرار".
وختاما نحن علماء الدين الاسلامي في كردستان العراق لا يساورنا شك بان سماحتكم والعلماء الأعلام في الحوزات العلمية الموقرة لن ترضوا بهذه السياسة المحرمة شرعا وقانونا.. كما قال الرسول (ص) يوم النحر "ان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ".
فأملنا فيكم كبير بان تساندوا اخوتكم الكرد في تغيير هذا المنكر، وازالة هذه السياسة الخبيثة التي خطط لها الطاغوت ليكيد بنا جميعا.
وتقبلوا تحيات جميع علماء الدين في كردستان العراق مع فائق الشكر والتقدير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.