أسامة مهدي من لندن : فيما تتصاعد المؤشرات عن مسؤولية منظمة القاعدة الإسلامية الأصولية عن تفجيرات لندن أمس يعيش مسلمو بريطانيا حالة من القلق من أن تؤدي التفجيرات إلى تأجيج المشاعر ضدهم ، لكنهم أدوا صلاة الجمعة في مساجد العاصمة المنتشرة بهدوء اليوم وسط حراسة مشددة فيما تحاول الأجهزة الرسمية و الإعلامية البريطانية تأكيد رفض المسلمين للارهاب من خلال اشادات رسمية بدورهم في التعاون مع السلطات ، و اجراء مقابلات صحافية مع قادة المسلمين الذين يؤكدون ادانتهم للاهاب ، و مع مواطنين مسلمين فقدوا اقارب لهم في أحداث الأمس ،للتأكيد بأن مسلمين ايضا كانوا من بين الضحايا التي تأكد لحد الان مقتل 50 شخصا نتيجتها وسط مخاوف من ارتفاع العدد الى 75 بعد الاعلان عن وجود 220 شخصا اخرين يعالجون في مستشفيات العاصمة و هم بحالة خطرة .

و قد سالت "ايلاف" مسؤولا في شرطة الاسكتلانديارد عما اذا كانت هناك اي عتقالات بين المسلمين البريطانيين فشدد بالقول على ان اي شخص يعيش على الاراضي البريطانية لم يعتقل مشيرا الى ان التحقيق يجري في مئات الشهادات التي ادلى بها اشخاص كانوا موجودين في المناطق التي تعرضت للانفجارات الاربع . و اكد ان فرقا عالية الخبرات و التخصص في شؤون الارهاب تلاحق اي دلائل تظهر عن هويات الفاعلين مشددا على ان المهمة الاولى للسلطات حاليا هي جلب الفاعلين الى العدالة لينالوا جزاءهم .
ويعبر المسلمون البريطانيون البالغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين نسمة معظمهم من بلدان اسيوية مثل باكستان والهند وبنغلاديش ودول عربية عن مخاوف من تعرضهم لاعمال انتقامية بعد التفجيرات برغم ان اثنتين منها استهدفتا احياء تتركز فيها بقوة هذه الجاليات في غرب لندن . و يحاول المسلمون في لقاءاتهم مع البريطانيين الاخرين من الاديان المسيحية و اليهودية و الهندوسية تأكيد تعاطفهم مع عائلات الضحايا و مع المصابين و اظهار رفضم للارهاب باعتباره عملا يتعارض مع مباديء الاسلام .
و برغم الاجواء المشحونة بالقلق فقد ادى مسلمو لندن الذين يشكلون نسبة 10 في المائة من مجموع سكان العاصمة البالغ 14 مليون نسمة صلاة الجمعة بهدوء اليوم و من دون تسجيل حوادث معادية في مئات المساجد المنتشرة في انحاء العاصمة برغم ان التعزيزات الامنية كانت اشد من المعتاد. و قد سعى ائمة المساجد الصغيرة و الكبيرة خلال خطب الجمعة اليوم الى ادانة و استنكار التفجيرات و تأكيد رفض الاسلام لها و الدعوة للهدوء و التضامن . و قد اجتمع ممثلو المسلمين مع وزير الداخلية البريطاني تشارلس كلارك لتأكيد تضامن المسلمين مع السلطات ضد الارهاب و المساعدة في جلبهم الى العدالة و الشديد على رفض العنف الارهاب .

و قد اشاد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في مؤتمر صحافي بمسلمي بريطانيا لاستنكارهم التفجيرات و تأكيد تضامنهم مع السلطات من اجل كشف الفاعلين ، كما اشار مدير شرطة لندن الى ان منفذي التفجيرات و برغم انهم قاموا بجريمتهم باسم الاسلام الا ان الارهاب و الاسلام كلمتان لا تلتقيان . و اضافة الى ذلك فقد سارعت محطات التلفزيون البريطانية الى اجراء مقابلات و حوارات مع قادة المسلمين في العاصمة و الذين استغلوا الفرصة لابعاد الاسلام و المسلمين عن العمليات الارهابية ، و تأكيد استنكارها و وقوفهم ضدها .. كما قامت اجهزة الاعلام باظهار مسلمين بريطانيين يوجهون نداءات بحث عن اقارب لهم فقدوا خلال التفجيرات و ذلك في محاول للتأكيد على ان السلمين هم ايضا كانوا ضحية التفجيرات الارهابية .

و قدم قادة المسلمين في بريطانيا جملة نصائح لأفراد الأقلية المسلمة في البلاد و دعوهم إلى اتباع جانب الحيطة و الحذرمع التأكيد على استعداد المجتمع المسلم في بريطانيا على تقديم جميع أشكال المساعدات و المشاركة في عمليات الإنقاذ والتبرع بالدم اضافة الى تنظيم زيارات لضحايا الهجمات في المستشفيات .
و قال عنايات بانجالولا المتحدث باسم مجلس مسلمي بريطانيا " إننا نقف جنبا إلى جنب مع أقراننا من المواطنين البريطانيين" وأضاف " بالطبع فإننا نعرف ما حدث في أعقاب هجمات 11 سبتمبر لأفراد و مساجد و مقابر .. وذلك كان ردا على حادث إرهابي وقع على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي". و تابع : " أستطيع أن أتفهم لماذا يشعر كثير من المسلمين بالخوف مما قد يحث الآن هنا". و حث بانجالولا المسلمين على التعاون بشكل كامل مع الشرطة لضمان ألا تتمكن أي أوساط متطرفة من استغلال الكارثة التي وقعت اليوم لأغراضها السياسية التي تهدف إلى الفرقة .
و من جهته اشار محمد عبد الباري مساعد الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا أن التوتر يسود الجالية المسلمة لكنه قال إنه ليس هناك ما يخشاه المسلمون فهم مواطنون بريطانيون و مندمجون في المجتمع البريطاني إضافة إلى أنهم ليسوا مسؤولين عن عمل أقلية إذا ثبت تورطها و دعا المسلمين إلى عدم البقاء في منازلهم مؤكدا إن المجلس يتعاون مع السلطات البريطانية التي شددت الحراسة حول المؤسسات و المراكز الإسلامية .
كما وصف المجلس التفجيرات بأنها اعمال شيطانية " تجعلنا جميعا ضحايا "و قال في بيان له " ان الاشخاص الذي خططوا و دبروا بطريقة جهنمية لهذه السلسلة من الانفجارات في لندن يريدون القضاء على روحنا المعنوية كامة وبث الفرقة بيننا كشعب. وعلينا جميعا الاتحاد لمساعدة الشرطة على اعتقال هؤلاء القتلة".

و برغم ان العديد من المراكز الإسلامية تلقى رسائل إلكترونية تحمل تهديدات و شتائم لكنه لم ترد لحد الآن تقارير عن هجمات عنصرية. و وجه مجلس مسلمي بريطانيا دعوة إلى جميع المساجد في بريطانيا وعددها 800 مسجد للصلاة من أجل الضحايا وأسرهم.

و قد لاحظ مراقبون سياسيون ومتخصصون في شؤون مكافحة الارهاب انه بعد ان ظلت لندن في منأى عن الاعمال الارهابية خلال السنوات الماضية و خاصة التي اعقبت احداث 11 ايلول قبل اربعة اعوام لما عرف عن الاجراءات المحكمة لاجهزة شرطة سكوتلانديارد البريطانية و تعايش المواطنين البريطانيين بسلام برغم اختلاف اصولهم واجناسهم ودياناتهم لكنه يبدو ان اجراءات اللجوء السياسي المرنة في بريطانيا سمحت بايواء اصوليين اسلاميين تلاحقهم اجهزة الامن في بلدانهم وهو امر حذر منه الرئيس المصري حسني مبارك قبل عامين حين انذر الحكومات الاوروبية و خاصة البريطانية بأن هؤلاء الذين يستضيفونهم سيتحولون الى اعداء لهم يقومون بأعمال تهدد أمنها الوطني .
و يقول ماغنس رانستورب مساعد مدير مركز دراسات الارهاب و العنف السياسي في جامعة سانت اندروز في اسكتلندا "كانت بريطانيا لسنوات مكان تجنيد بالنسبة للجهاديين" و اضاف في تصريح لوكالة الانباء الفرنسية " لكن الوضع اصبح اكثر صعوبة بالنسبة لهم الان حيث ان شرطة هذا البلد كانت شديدة الفاعلية و اوقفت اكثر من 700 مشتبه به منذ احداث ايلول (سبتمبر) عام 2001".
و يقول الان بوير المتخصص في علم الاجرام و المشارك في تأليف كتاب صدر حديثا باسم " لغز القاعدة " " لقد شاهدنا الخميس النهاية الرسمية "للندرستان" التي كانت تتمثل في القول لهم + افعلوا ماشئتم بعيدا و لكن ليس عندنا+ انها نهاية الملاذ الانكليزي".
و يقول الان شويه المسؤول السابق في الادارة العامة للامن الخارجي وهي المخابرات الفرنسية "كان هناك تعايش استمر اطول من اللازم بالنسبة لنا نحن الفرنسيين". واضاف " الانكليز حموا اراضيهم بالقول : افعلوا ما شئتم لدينا شرط ان لا يكون ضدنا! لقد بدا ذلك يتوقف بعد 11 ايلول/ سبتمبر و ازداد بعد احداث مدريد".
الا ان جان لوك ماريه الباحث في مؤسسة الابحاث الاستراتيجية يرى ان "لندنستان كانت اي شىء عدا التراخي : فمن تقاليد المخابرات البريطانية السماح بوجود بؤرتين او ثلاث بؤر محددة مثل مسجد فسنبري بارك الشهير شمال لندن كوسيلة لمراقبة ما يحدث بشكل افضل". ويضيف "مع تشديد التشريع والاعتقالات واغلاق اماكن العبادة انتشر العديد من الاشخاص في الطبيعة وانتقلوا الى العمل السري".
و يؤكد ماغنس رونستورب "اننا نشاهد انعكاسا مباشرا لما يجري في العراق. وندفع ثمن دعمنا للولايات المتحدة وارسال قوات بريطانية الى العراق. لقد جعل كل ذلك بريطانيا في صدارة قائمة الاهداف الجهادية". ويرى الان شويه ان الدول الموجودة ميدانيا في العراق اصبحت مستهدفة "لقد اعطى العراق شرعية للنضال في العالمين العربي والاسلامي". واعتبر ان "بريطانيا راكمت المسببات: الاشتراك في الحرب العراقية وعقد قمة مجموعة الثماني في اسكتلندا مع ما تمثله من دعاية اعلامية قصوى وبدء محاكمة (الامام المتشدد) ابو حمزة المصري ووجود معتقلات من نوع بلمارش الذي يسمونه "غوانتانامو البريطانية" كل ذلك خلق تربة خصبة لتجنيد عدد من الاشخاص للقيام بما حدث". ويضيف جان مارك ماريه "منذ بضعة اسابيع وردت معلومات من العراق تقول: الهدف القادم يجب ان يكون لندن. انها رسالة الى التيار الجهادي تقول له: اضرب عندما تستطيع".
وقد شهدت بريطانيا خلال الاعوام التي اعقبت احداث ايلول اجراءات مشددة ضد الوافدين وتشديدي القوانين التي تتعامل مع الارهاب مثل التوقيف بدون محاكمة والقيام بعمليات دهم مفجئةومراقبة الهواتف وتشديد الحراسة في مناطق الدخول على احدود كما ان الشرطة نفذت دة عمليات اعتقال ضد مشتبه بهم في لندن وفي مانشستر وبرمنغهام في وسط البلاد . ففي اذار (مارس) عام 2004 اعتقل تسعة اشخاص غرب لندن حيث عثر على 600 كلغ من السماد الكيميائي المرتكز على نترات النشادر وهي مادة يمكن تحويلها الى متفجر قوي كما ان الشرطة البريطانية تمكنت من احباط ثلاث محاولات خطيرة.
وكان رئيس الشرطة البريطانية (سكوتلنديارد) ايان بلير اعلن اليوم الجمعة ان الاعتداءات التي ضربت لندن الخميس "اوقعت اكثر من خمسين قتيلا" وهي "تحمل بصمات القاعدة"، مرجحا في الوقت نفسه ان تكون خلية ارهابية لا تزال ناشطة في بريطانيا .

ومما زاد من قلق المسلمين في بريطانيا التقارير التي اشارت الى أن الشرطة البريطانية طلبت من زميلاتها الاوربية والاميركية البحث عن شخص مسلم اسمه محمد زيدي لم تعرف جنسيته تحوم الشبهات حول دوره في التفجيرات وكذلك عن مشتبه اخر في منطقة نيزلدين التي توجد فيها جالية مسلمة كبيرة . ومما لاشك فيه فان مسلمي بريطانيا يراهنون على الوقت وعلى التسامح الذي عرف به المجتمع البريطاني لتجاوز هذه الازمة التي يتعرضون لها للمرة الاولى وان كان مسلمون اخرون في بلدان غير مسلمة مثل اسبانيا واستراليا والولايات المتحدة قد عاشوا معاناتها وصعوباتها قبلهم .