انشطار فكري في خنادق الأصوليين المتشددين حول "الحمد":
الإسلاميون السعوديون يتعاطفون مع مفكر ليبرالي


سلطان القحطاني من الرياض: بدا واضحاً حجم التعاطف الذي لقيه المفكر و الروائي السعودي الدكتور تركي الحمد من قبل تيارات إسلامية محافظة، إثر حادثة وفاة زوجته يوم أمس الأول، مرخين بذلك ستائر شبه غليظة على نافذة الخلافات التي أججتها الرؤية الليبرالية البارزة بشكل جلي في روايات الحمد ومقالاته.

إلا أن أجواء الانشطار الفكري ألقت بظلالها على خنادق الأصوليين المتشددين في الساحة السعودية المحلية حول هذا التعاطف، ما بين مؤيد لمواساة الحمد و تعزيته من باب أنه "أمرٌ إنساني"، و أن " الرسول عزّى يهودياً في وفاة ابنه"، و آخرون رأوا أنه لا يجوز القيام بذلك مع "عدوٍ من أعداء الدين"، و" أحد المارقين عن الطريق القويم". و لعقد من الزمن كان المفكر و الروائي السعودي تركي الحمد في مجابهة مع إسلاميين محافظين حول مقالاته و رواياته المثيرة للجدل، و التي وُزعت بشأنها فتاوىً و منشورات باعتبارها تتضمن " كفراً بواحاً " على حد تعبيرهم.

و وصلت الدعاوى التحريضية ضدّه إلى حد أن يطالب إسلاميون متشددون بإهدار دمه، و مطالبة المؤسسة الدينية الكبرى في البلاد، و هي هيئة كبار العلماء، بإصدار هذه الفتوى ليغدو أمر إهدار دمه متفقاً عليه، و لكنهم لم يحظوا بهذا التجاوب من قبل السلطة الدينية النافذة على كافة أصعدة الساحة السعودية.


و لكن يبدو أن العلاقات مابين النقيضين تمر بمرحلة التقاط أنفاس ، على الأقل من قبل الأصوليين المتشددين، الذين أبدوا تعاطفهم الكبير مع مُصاب الحمد في زوجته، و هو تعاطفٌ مشوبٌ بالحذر، و محاولة إستغلال هذا التعاطف لإستمالة الحمد إلى العودة إلى "جادة الصواب" كما يرون.

و اللافت في الأمر أن حجم التعاطف الذي لقيه الحمد لا يُقارن بحجم التعاطف الذي تلقّاه نقيض إسلامي بارز، و هو الشيخ الصحوي سفر الحوالي، الذي أُدخل المستشفى إثر إعتلالٍ طرأ على صحته، و استنفر الإسلاميون جميعاً طاقاتهم مذ ذاك في الدعاء له، وزيارته في مستشفاه، و تزويد المتابعين يومياً بآخر أخبار مرضه بالصور الفوتوغرافية أيضاً.

و تعكس هاتان الحالتان حجم الهوة العميقة ما بين الأطياف السعودية الفكرية، ناهيك عن الهوة السحيقة الأخرى مابين الأطياف المذهبية أيضاً، الأمر الذي يجعل الرائييجزم بتجرّدبأن الخلاف أمرٌ فطري في الثقافة السعودية الاجتماعية، و أن العداوة المتطرفة للآخر إحدى إفرازات هذه الثقافة أيضاً.

و على الرغم من رفض الكثيرين لما تفصح عنه روايات الحمد الميّالة للنهج الليبرالي التحررّي، و هي أود شهرته محلياً، فإن نسبة مبيعات كتبه تحقق سقفاً مرتفعاً إذا ما قورنت بأقرانه من المثقفين السعوديين، و خصوصاً على صعيد الرواية.

و بدت بعض كتبه و هي تزهو على أرفف المكتبات السعودية بعد فترة طويلة من منع أسهمت فيه الرقابة الإعلامية السعودية، التي استقت موقفها من تيار ديني يطبع فكره على السواد الأعظم السعوديين، و هو الأمر الذي جعل كتبه تخضع لعمليات تهريب على الحدود، أو يتم تداول نُسخ مصورة منها بأثمان خيالية في غالب الأمر.

و ولد الحمد عام1952م في الأردن ، مزار الكرك، من أسرة سعودية تنتمي للعقيلات . و كان والده يعمل موظفا في بلدية الدمام، و حصل على البكالوريوس في الاقتصاد و العلوم السياسية من جامعة الرياض عام 1975م . ثم سافر إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير والدكتوراة.