شهدت فترة حكم الملك فهد بن عبد العزيز تعزيز دور المملكة العربية السعودية على الصعيدين العربي والعالمي وتمتين تحالفها مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى مواجهتها المصاعب الاقتصادية الناجمة عن تدهور أسعار النفط وتعرض الوضع الأقليمي والداخلي لهزات كبرى.

تقلد الملك فهد عرش المملكة العربية السعودية عام 1982 بعد أخيه الملك خالد، وربما كانت فترة حكمه أكثر الفترات صعوبة في تاريخ المملكة العربية السعودية منذ نشأتها في عام 1932.

وقد بذل خلال الجزء الأكبر من فترة حكمه الكثير من الجهد لتدعيم قواعد الاستقرار والازدهار في المملكة.

يذكر أنه أصيب بنوبة قلبية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995، وبقي منذ ذلك التاريخ على عرش المملكة، متحديا كل التكهنات بانتهاء فترة حكمه.

ولد الملك فهد عام 1923، وحصل على قدر ضئيل من التعليم، لكنه تسلم في الخمسينات منصبا وزاريا. وكان أحد سبعة أبناء لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته المفضلة حصة بنت أحمد السديري.

وقد حرص خلال فترة توليه وزارة التعليم لخمس سنوات على الدعوة لتعليم الفتيات.

الرياض: الوجه الحديث للمملكة العربية السعودية

وبعد ذلك شكّل أثناء شغله منصب وزير الداخلية لـ 13 عاما بدأت عام 1962، قوات الأمن الخاصة لتعديل كفة الميزان مع القوات المسلحة والحرس الوطني، وبرز خلال هذه السنوات كشخصية رئيسية في المملكة، التي مثلها مرات عديدة في الخارج.

وخلال فترة ولايته للعهد، كان فهد أحد مهندسي التحول الهائل للسعودية، من مملكة صحراوية بدائية - رغم ثرائها - إلى دولة معاصرة صناعيا وتجاريا.

وظل الوضع كذلك خلال فترة حكمه بإكمال مشروعات اقتصادية منها على سبيل المثال مشروعا مجمعي الجبيل وينبع، بما فيهما من موانئ ومناطق صناعية، إضافة إلى برنامج "السعودة" الذي كان يهدف إلى تقليص الاعتماد على الخبرات المهنية والهندسية الأجنبية.

إلا أن تحقيق تلك التطورات كان مرهونا لدخل قومي غير ثابت، فقد انخفضت أسعار النفط من مستوياتها العليا التي وصلت إليها في سنوات الازدهار في السبعينات. وتعرضت بذلك برامج الحكومة التي تهدف إلى توفير الدعم السخي والخدمات الاجتماعية الوفيرة إلى الانكماش في ظل برامج تقشف طبقت في بعض الفترات.

وقد أنفق الملك فهد الملايين الكثيرة لدعم العراق في حربه مع إيران، ويعود ذلك جزئيا إلى القلق مما يعتقد أنه عزم إيراني لتصدير الثورة الإسلامية.

كما عمل الملك فهد أيضا على تدعيم الإطار الإسلامي لحكومته، وأطلق على نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين عام 1986.

أعداء الداخل والخارج
اثارت الثورة الإيرانية عام 1979 مخاوف من انتشار مدها إلى المملكة، مما حدا بالملك فهد إلى الوقوف إلى جانب الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الحرب مع إيران ودعمه بأموال طائلة.

لكن صدام حسين قرر، عام 1990، أي بعد نهاية الحرب بسنتين غزو الكويت، الأمر الذي اهتزت له أركان المملكة، وأشعل المخاوف من أن تكون طموحات بغداد الإقليمية لا تقتصر على الكويت فقط بل قد تتعداها إلى السعودية نفسها.

وجاء رد الملك فهد بدعوة ربع مليون جندي أمريكي وحليف للدفاع عن مملكته وإفشال الاحتلال العسكري للكويت.

وعلى الرغم من استياء الكثيرين من أبناء المملكة من وجود قوات أجنبية في شبه الجزيرة العربية، إلا أن الملك فهد ظل متمسكا بموقفه، وينسب إليه الفضل في إنهاء التهديد العراقي، مع تأكيده أن الوجود العسكري الأجنبي سيكون مؤقتا.

لكن خطورة الاستياء من الوجود العسكري الأمريكي تفاقمت مع مرور الزمن. إذ ظهرت معارضة داخلية بدأت تشكك في شرعية الحكم السعودي ذاته وخصوصا من جانب تنظيمات متطرفة مثل تنظيم القاعدة الذي يتزعمه السعودي أسامة بن لادن.

ولم تغادر القوات الأمريكية المملكة بعد انتهاء الحرب، وفي عام 1996 هز انفجار قاعدة مهمة لتلك القوات في منطقة الخبر، مما أدى إلى مقتل 19 شخصا.

ويرى بعض السعوديين إن وجود قوات أجنبية في المملكة يسيء إلى حرمة الأماكن المقدسة فيها، وقد تعزز هذا الشعور بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة التي يعتقد أن 15 من خاطفي الطائرات المشاركين فيها سعوديون.

تحديات سياسية واقتصادية
وبعد حرب الخليج، استحدث الملك فهد المزيد من التغييرات. حيث تأسس بتوجيهاته مجلس للشورى، وإن كان لا يملك بعدا تمثيليا ولا يتعدى على السلطات التنفيذية للملكية المطلقة.

وكان على الملك فهد أن يوفر مع وزرائه التكاليف الباهظة للعملية العسكرية ضد العراق، وهو ما تزامن أيضا مع هبوط أسعار النفط.

وعلى الرغم من أن اقتصاد المملكة كان عرضة للاهتزاز، إلا أن المملكة اتخذت عدة إجراءات لتجنيب البلاد أزمة اقتصادية.

ومع ذلك فقد تسببت عمليات شراء الأسلحة بمليارات الدولارات في تقشف محدود خلال حكم الملك فهد.

وتمكن حكمه من المحافظة على التوازن الصعب بين اتجاهات إصلاحية وأخرى تفرضها سطوة المؤسسة الدينية المحافظة، خصوصا أن حكم الملك فهد شهد أكثر التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إثارة في العالم.

خليفة متمرس
وعلى الصعيد الصحي رافقت الملك فهد متاعب صحية طويلة الأمد فقد كان يعاني من داء السكري وأصيب بنوبة قلبية عام 1995، وبعد استراحة قصيرة استأنف بعض أعماله الرسمية مستخدما مقعدا متحركا.

وقد أناط بولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، رئيس الحرس الوطني، تسيير دفة الأمور اليومية والسياسات المهمة.

ويحظى الأمير عبدالله باحترام واسع على الأصعدة الداخلية والعربية والدولية وهو متمرس في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وكان الحاكم الفعلي خلال السنوات الخمس الماضية.

وقد عضد الأمير عبدالله علاقاته العربية والدولية لكنه يعتبر أقل تحمسا لموالاة الولايات المتحدة بالمقارنة مع أخية (الراحل).