أسامة العيسة من القدس : يظهر افيغدور ليبرمان الزعيم الإسرائيلي الممثل لقطاعات واسعة من اليهود الروس، في المشهد السياسي الإسرائيلي بقوة، على خلفية دخوله المتوقع للائتلاف الحكومي، وسط ضجة إعلامية كبيرة في إسرائيل، في حين ينسحب زعيم آخر لليهود الروس من المشهد بهدوء، هو نتان شيرانسكي الذي ابلغ بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود الذي ينتمي إليه عن قراره اعتزال السياسة.

ولم يحدد شيرانسكي الذي يتمتع بعضوية الكنيست عن حزب الليكود، متى سيستقيل من البرلمان الإسرائيلي، ولكنه بقراره الاعتزال ينهي عشرة أعوام عاصفة من عمله السياسي كان خلالها مثار جدال كبير، ليس في إسرائيل فقط. وشيرانسكي من مواليد الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1948، هاجر إلى إسرائيل في عام 1986، مع تصاعد موجات الهجرة اليهودية الواسعة في ظل ما عرف بسياسة الانفتاح التي سبقت سقوط الاتحاد السوفييتي المدوي، ولكن وصول شيرانسكي إلى إسرائيل، تم عبر تبادل للجواسيس بين الاتحاد السوفييتي والغرب.

وبرز شيرانسكي كمعارض للحكم السوفييتي السابق، من حلال نشاطه الصهيوني، واعتقل بسبب مبادئه الصهيونية وهو ما يطلق عليه في الأدبيات الصهيونية واليهودية (أسير تسيون). وبعد وصوله إلى إسرائيل نشط في أوساط المهاجرين الروس، ليصبح الزعيم البارز لهم، خصوصا بعد تأسيسه حزب (يسرائيل بعلييا) الذي يمثل الروس، ونظر لوصول هذا الحزب بقيادة شيرانسكي والى الحكومة، كمؤشر على الدور المتعاظم لليهود الروس في إسرائيل، وأيضا على قوة المافيا الروسية المتصاعدة، ولصقت بشيرانسكي التهم التي تربط بينه وبين هذه المافيا القوية في إسرائيل، وكانت الشكوك حول الدعم الذي يتلقاه من المافيا الروسية قوية دائمة، ومطروحة بشكل مستمر على المستوى الإعلامي وفي الشارع الإسرائيلي.

وحصل الحزب في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1996 على 7 مقاعد برلمانية، وفي انتخابات عام 1999 على ستة مقاعد.وقدر لشيرانسكي وحزبه أن يلعب دورا مهما في الانتخابات لرئاسة الحكومة الإسرائيلية التي جرت في أوائل عام 2001، حيث تنافس ارئيل شارون زعيم حزب الليكود، وايهود باراك زعيم حزب العمل، على رئاسة الحكومة، التي جرت على أساس الانتخاب المباشر.

ووقف شيرانسكي وحزبه خلف شارون، الذي فاز في تلك الانتخابات، واعتبر ذلك مؤشرا على القوة التي يمثلها المهاجرين الروس في الحياة السياسية الإسرائيلية، ولكن قوة شيرانسكي، بسبب الانشقاقات الداخلية، تضعضعت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر كانون الثاني (يناير) 2003، حيث لم يحصل حزبه إلا على مقعدين فقط في الكنيست.

ومهدت هذه الخسارة الفادحة، لاتفاق بين شيرانسكي وشارون، على حل حزب يسرائيل بعلياه، وضمه لليكود ككتلة مستقلة ثم تذوب في الحزب الكبير. وكان شيرانسكي بعد ظهور النتائج أعلن استقالته من الكنيست لصالح عضو آخر في حزبه، والتفرغ للعمل الحزبي، وليبينه كما قال آنذاك من جديد ليس كحزب طائفي يمثل اليهود الروس ولكن كحزب لكل الإسرائيليين. واصبح شيرانسكي وزيرا في حكومة شارون، ولكنه استقال منها في شهر أيار (مايو) احتجاجا على خطة الانسحاب من قطاع غزة. وامضى شيرانسكي، كنوع من التضامن مع مستوطني غزة، ثلاثة أيام في مستوطنة عتسمونا التي فككت لاحقا.

ولم يقصر تأثير شيرانسكي على الحياة السياسية في إسرائيل، ولكنه بالصفة الأخرى التي يحملها كمنشق عن الاتحاد السوفييتي السابق، نسج علاقات واسعة في الغرب، ولم يتورع عن التحدث في شؤون لا تخص إسرائيل بشكل مباشر، مثل تصريحاته حول علاقته بالسياسي العراقي احمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني الذي كان يعارض الحكم السابق في العراق.

وقبل احتلال العراق، أشاد شيرانسكي بالجلبي وقدمه للصحافة الإسرائيلية كشخص يرغب في تعزيز العلاقات مع إسرائيل، داعيا إلى التأثير على الإدارة الأميركية لاعطاء دور للجلبي بعد إسقاط نظام صدام حسين.

وبشكل بدا مفاجأ تحول شيرانسكي في وقت مبكر من عام 2005 نجما في العاصمة الأميركية واشنطن، كما وصفته مجلة النيوزويك النافذة، والسبب، أن الرئيس الأميركي جورج بوش أشاد بشيرانسكي علنا بعد أن قرا كتاب الأخير الذي صدر بعنوان (الحجة من اجل الديمقراطية)، وتم ترتيب لقاء بين الاثنين.

وتصدر كتاب شيرانسكي قائمة أعلى الكتب مبيعا، على غير توقع، واصبح لديه شعبية في أميركا اكثر من إسرائيل كما ذكرت مجلة النيوزويك التي خصصت صفحة المقابلات في عددها الصادر بتاريخ 17 أيار (مايو) 2005 لشيرانسكي.

وتحدث شيرانسكي للمجلة الأميركية من منزله في مدينة القدس، في الوقت الذي كان فيه قد استقال من حكومة شارون على خلفية خطة الانسحاب من غزة، وقال له مراسل المجلة quot;يعرف الجميع أن جورج بوش من معجبيك، غير انه يوافق شارون بشان الانسحابquot;، فرد عليه شيرانسكي quot;أنا من كبار المعجبين جدا ببوش، ولكنني لا أتوقع من الرئيس الأميركي أن يكون اكثر صهيونيا من رئيس وزرائناquot;. وتحدث عن لقائه مع بوش، مشيرا إلى النقاشات التي دارت بينهما، ولم يتورع عن توجيه انتقادات حادة للرئيس الذي أبدى إعجابه بكتابه. والان يعتزل شيرانسكي، دون أن يفصح عن الكثير من خططه المستقبلية، وربما يعود لتأليف الكتب، ولكن هذه المرة دون أمل كبير في أن يشيد بكتبه المنتظرة رؤساء الدول.