الرياض: تم تشييد جدار برلين في ليل الثالث عشر من أغسطس (آب) 1961. كانت تلك الليلة إجازة عند أهالي مدينة برلين الذين كانوا يغطون في نومٍ عميق, بينما شرعت حكومة ألمانيا الشرقية في إغلاق الحدود. وفي الصباح الباكر من ذلك الأحد تمت معظم أعمال المرحلة الأولى, إذ أُغلِقت الحدود مع ألمانيا الغربية لتنقسم برلين إلى قسمين, واستمر جنود ألمانيا الشرقية في شق الطرق وتنصيب أسلاك شائكة عبر مدينة برلين.

إذ عملوا على إغلاق الشوارع والمنازل المطلة عليها وبدؤوا في بناء الجدار. ومنذ ذلك الحين لم يستطع أحد أن يعبر الطريق, وأصبح من الصعب ملاقاة الأهل والأصدقاء الذين يسكنون الجانب الآخر من الطريق.

وفي إحدى المقاطعات مثلت جدران المنازل الحدود الفاصلة عن الغرب, فكان الناس يقفزون من فوق أسطح المنازل للوصول إليه في الأيام الأولى. ولكن ما لبثت أن أُغلِقت النوافذ وأُجبِر السكان على مغادرة بيوتهم, وما إن مرت بضع سنوات حتى هُدِّمت تلك البيوت.

وفي يونيو (حزيران) 1962 شُيّد جدار آخر ليمنع الهاربين من الوصول إلى الجهة الغربية. وبعد أن حصل الجدار الأول على نصيبه من التجديد صار من الصعب التمييز بين نشأة الجدار الأولى والثانية.

وبعد أن بدأت نشأة الجدار الثالثة في حوالي العام 1965 أزيلت النشأة الأولى والثانية.

كما استُبدِلت النشأة الثالثة للجدار بالنشأة الرابعة في العام 1975, وتم تدعيمه بمواد صلبة للوقوف في وجه العوامل البيئية وعمليات التسلل. وسُمي هذا الجدار بـ quot;Grenzmauer 75quot; أي quot;جدار الحدود 75quot;.

وكانت عاقبة كل من يحاول عبور هذا الجدار أن يُقتل على أيدي حرس الحدود الشرقيين, وبلغ عدد الذين قُتِلوا في محاولتهم عبور الحدود 171 شخصاً منذ بدء بنائه وحتى تقويضه في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1989.

وكان من سبب إنشاء هذا الجدار أن جمعاً كبيراً من مواطني ألمانيا الشرقية, وصل عددهم إلى أكثر من 2.6 مليون, هربوا إلى ألمانيا الغربية من عام 1949 إلى تاريخ بناء الجدار عام 1961. وذلك أن الحياة في غرب ألمانيا كانت أفضل منها بكثير في شرقها منذ عام 1948, حيث حصلت برلين الغربية على مساعدة مالية عبر خطة مارشال التي نفذتها الولايات المتحدة. أما ألمانيا الشرقية فكانت ترزح تحت النظام الشيوعي, وتعرض كثير من مواطنيها لعمليات قمعٍ وتعذيب اقترفها أنصار الحزب.

وعلى إثر ذلك خسرت ألمانيا الشرقية كثيراً من مواطنيها الأكفاء ذوي المهارات. مشكلة أخرى برزت عن اختلاف العملات بين ألمانيا الشرقية والغربية, وخاصة في برلين. فقد كان المارك في ألمانيا الغربية يعادل أربعة منه في ألمانيا الشرقية, وكان في إمكان الناس الذين يملكون الماركات الغربية أن يحصلوا على البضائع برُخصٍ شديد في الجزء الشرقي من برلين.

ولم تجد حكومة ألمانيا الشرقية من سبيلٍ لمنع المتسللين من الوصول إلى غرب البلاد عبر برلين إلا بإغلاق الحدود بين برلين الشرقية والغربية في الثالث عشر من أغسطس (آب) 1961.

بعد عشرة أيام من إغلاق الحدود لم يكن مسموحاً لأحدٍ بعبورها والوصول إلى برلين الشرقية سوى للسياح ودبلوماسيي القوى الغربية وموظفيها العسكريين, وذلك عبر نقاط التفتيش. وكانت الوظيفة الأساسية لهذه النقاط تسجيل أعضاء القوى العسكرية الغربية حال دخولهم برلين الشرقية. ولم يكن مسموحاً للسلطات الألمانية في غرب برلين وشرقها أن تقوم بتفتيش أي عضو من قوات التحالف العسكرية في برلين, وفي ألمانيا عموماً.

بدأت محاولات إسقاط جدار برلين منذ بنائه, على الرغم من أنه ظل قائماً حوالي ثلاثة عقود من الزمن. إذ اجتمعت شعوب البلدان الشيوعية أكثر من مرة في مظاهراتٍ ضد النظام الشيوعي, لكنهم فشلوا في الإطاحة به. ولن يغيب ضحايا الانتفاضات المناهضة لاستبدادية الشيوعية في برلين 1953 وبودابست 1956 وبراغ 1968 _ عن الأذهان أبداً.

في عام 1989 تأسس اتحاد العمل الحر في بولندا الشيوعية, وكانت بداية النهاية للنظام الشيوعي في أوروبا. إن الإصلاحات التي قام بها غورباتشوف بسياستي البيريسترويكا والغلاسنوست كان عليها تجديد نظام ستالين في الاتحاد السوفييتي, وليس استبدال النظام الشيوعي. وكان لهذه الإصلاحات أثرها, ليس على الاتحاد السوفييتي وحده, بل على الدول الشيوعية الأخرى مثل بولندا وهنغاريا.

ففي 23 أغسطس (آب) 1989 أزاحت هنغاريا الستار الحديدي عن الطريق إلى النمسا, وفي سبتمبر (أيلول) تمكن 13.000 ألمانياً شرقياً من الفرار عبر هنغاريا في غضون ثلاثة أيام, وكان هذا أول نزوحٍ جماعي للألمان الشرقيين منذ بناء الجدار. وابتدأت المظاهرات العارمة ضد الحكومة والنظام في ألمانيا الشرقية في نهاية سبتمبر (أيلول) واستمرت حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 1989, وأُجبِر رئيس الحكومة الألمانية إريك هونيكر على الاستقالة من منصبه في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام.

وفي مساء التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) تدفق الآلاف من شعب ألمانيا الشرقية إلى نقاط العبور وطالبوا بفتحها, وكان لهم ذلك. وحملت تلك اللحظة الأمر بتقويض الجدار وفتح الحدود إلى ألمانيا الغربية.

ترجمة: سامية المصري
الرياض