ايلاف: في مقالة للرئيس الفرنسي جاك شيراك في صحيفة الغارديان قال إن السلام لا يمكن أن يتم اعتباره أمراً محتم الحدوث، وإن أولى المسؤوليات التي تتحملها حكومة ما هي نشر الأمن. ولهذا السبب، تأمل فرنسا في المساهمة في بناءٍ سياسي للعالم لتجنب الأخطار، كما تأمل في المساعدة في أي مسؤولية مشتركة ضمن الإطار العام للمؤسسات الدولية القوية والشرعية والمقبولة، وخاصة من خلال الإصلاحات التي تحصل في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتعمل فرنسا حالياً من أجل بناء أوروبا سياسية قادرة على تولي مسؤولياتها الدولية خدمةً للسلام.
وقال إن الحلف الأطلسي يتميز بمكانة محورية في هذا المشروع. وعلى مدى 10 سنوات كانت لفرنسا علاقة بالجهود المبذولة من أجل تهيئة المشروع للواقع الجديد وتكييفه معه، في الوقت الذي تحافظ فيه على المهمة العامة. ولهذا السبب سيعيد الرئيس الفرنسي التأكيد ndash; في قمة ريغا غداً ndash; على الدور البارز للناتو، باعتباره منظمة عسكرية وأداة لضمان الأمن للحلفاء ومنتدى يشارك فيه الأوروبيون والأميركيون بجهودهم لتحقيق مزيد من السلام.
إن خطر قيام حرب معممة في أوروبا قد تلاشى، إذ تمت تهيئة الناتو وتوسعته ليشمل ديمقراطيات جديدة. وهو الآن يبني علاقات وثيقة مع روسيا، وهي العلاقات التي يجدر بنا أن نعمل على تقويتها دائماً، وذلك لأن حفظ السلام يعني أن نتجنب أولاً إنشاء صفوف جديدة من النقص. وبمثل هذه الروح نريد شراكة بين الناتو وأوكرانيا، ونأمل فيأن يرحب الناتو بالدول المرشحة من البلقان الغربي في حال استعدت للإنضمام.
سيكون تجاهل التهديدات الإرهابية والقومية العدائية ورغبة بعض الدول في التمسك بسياسة القوة بخرق التزاماتها الدولية سبباً للتقليل من مستوى حمايتنا وأمننا. ونحن الآن، كما كنا في الماضي، نريد تحالفاً قوياً تتبادل فيه الدول الدعم في ما بينها.
وتأتي على رأس أولويات الناتو مصداقية أصوله العسكرية.
وذكر شيراك في مقاله أن اعتماد الأوروبيين على حلفائهم الأميركيين قد طال أمده، وإن عليهم أن يتحملوا قسماً من هذا العبء بجعل الجهود الدفاعية القومية تساوي ما يطمحون إليه بالنسبة إلى الناتو، وللاتحاد الأوروبي كذلك. وتعد هذه علامة على التضامن الذي يربط جانبي الأطلسي. وهو ما تفعله فرنسا، إحدى الدول الرائدة في مساهمتها في التحالف، عبر قانون التقديرات العسكرية. والهدف من ذلك هو ضمان تحديث قوتها الاستراتيجية ndash; بالتوافق مع مبدأ الكفاية الدقيقة ndash; إضافة إلى المعدات والقدرة على الاستجابة السريعة والتمكن من الانتشار لدى القوات الفرنسية التقليدية.
إن تهيئة التحالف تعني أيضاً تمكينه من العمل بسلاسة وعلى قدمٍ وساق مع المنظمات الدولية الواضحة في مهماتها ونطاق قدرتها ووسائلها، دون مضاعفاتٍ لا قيمة لها.
كما تعني تهيئة التحالف تقديم إطارٍ سياسي، وفرنسا ترحب في هذا الخصوص بتبني التوجيه السياسي العالمي الذي عرض تحويل الأوضاع في الـ 10 إلى الـ 15 سنة القادمة.
والأمر نفسه ينطبق على العمليات التي اشترك فيها التحالف للحفاظ على السلم والأمن العالميين. ففي أفغانستان كانت فرنسا حاضرة منذ 2001، وتحكم حالياً منطقة كابول. وللحصول على شروط النجاح علينا أن نعمل في إطار استراتيجية شاملة وعملية سياسية واقتصادية مؤكدة أن التأسيس لمجموعة اتصال تحيط بالدول في المنطقة، أي الدول الرئيسة المعنية والمنظمات الدولية التي تحركت بموازاة ما يحدث في كوسوفو، لهو ضروري في نظري ليمنح قواتنا الوسيلة للنجاح في مهمتها الداعمة للسلطات الأفغانية وإعادة تركيز التحالف على العمليات العسكرية.
وفي نهاية المطاف، فإن التهيئة تعني أن نأخذ في الحسبان الواقع الجديد للاتحاد الأوروبي الذي تنضم معظم دوله إلى حلف الناتو. ومنذ قمة سان مالو، وصل الدفاع الأوروبي إلى مستوى أكثر تقدماً بكثير مما وصل إليه في الخمسين عاماً الماضية. لقد سررت ببدء الأوروبيين في السعي نحو إنتاج معدات مشتركة مثل A400M وطائرة النمر المهاجمة، وإننا نعمل الآن مع بريطانيا على مشروع حاملة طائرات مشترك في ما بيننا. كما نشهد تقدماً في المساهمة في أصولنا، وبخاصة النقل الإستراتيجي والتدريب المكتبي. ما علينا الآن هو التفكير في إعطاء بُعد ثابت لمجموع قيادتنا ولمعدات العمليات عبر مركز العمليات الذي أنشئ في الاتحاد الأوروبي.
إن التطوير أمر ضروري بسبب تنامي ارتباط الاتحاد الأوروبي بدعم عملية السلام. وسيعزز الدفاع الأوروبي الأقوى، بزيادة فعاليته والتأكيد على أصوله، من قدرة التحالف ككل وسيساهم في التوازن العالمي. نحن نرى أن الدفاع الأوروبي والناتو يكملان بعضهما لمصلحتهما معاً. وحيث تكون أوروبا في المكان المناسب للتصرف لأسبابٍ جغرافية أو تاريخية أو بسبب طبيعة التصرف نفسه، فإن الاتحاد الأوروبي يتولى نصيبه من المسؤوليات كما يجدر به أن يفعل.
صحيح أن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يقوم بدورٍ مهم في البلقان الغربي الذي قدم له فرصة العضوية. كما تولى الاتحاد الأوروبي السلطة من الناتو في جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة والبوسنة والهرسك. كما يستعد في كوسوفو، كخطوة أولية، أن يرسل بعثة بوليسية ستعمل على تشكيل عنصر أساسي في الحضور الدولي في فترة حرجة، حيث يتعرض مستقبل المنطقة للخطر. وفي لبنان يمثل الاتحاد الأوروبي، بطلبٍ من الأمم المتحدة، العمود الفقري لقوات اليونيفيل.
يدعو هذا التطور إلى حوارٍ سياسي إستراتيجي أكثر موضوعية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تبعاً لقمة بروكسل في شباط (فبراير) 2005. كما من المحتمل أن يتضمن علاقات أكثر متانة وقوة بين الناتو والاتحاد الأوروبي. فرنسا بطبيعتها مستعدة لذلك، ولكنها تتمنى أن يكون صوت الاتحاد الأوروبي مسموعاً في التحالف. وهذا يتضمن، على وجه الخصوص، إمكانية تشاور أعضاء الاتحاد الأوروبي في ما بينهم ضمن التحالف. وتطورٌ كهذا من شأنه أن يساهم في تحالفٍ أكثر قوة يدعم بعضه بعضاً، حيث يتمكن الحلفاء الأوروبيون والأميركيون من صياغة أهدافهم معاً، ويواصلون العمل جنباً إلى جنب من أجل سلمٍ عالمي يتطابق ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة.
سامية المصري
الرياض
28 نوفمبر 2006
التعليقات