نبيل شرف الدين من القاهرة : تماماً كما توقع معظم المراقبين في مصر فقد أثارت المقترحات التي أعلنها الرئيس المصري حسني مبارك بإجراء تعديلات دستورية، جدلاً واسعاً في الشارع السياسي، وقد بدا واضحاً منذ الوهلة الأولى انقسام النخبة السياسية بين ثلاثة مواقف، الأول يعارضها تماماً، ويرى أنها مجرد محاولة جديدة للالتفاف على استحقاقات الإصلاح السياسي، والثاني هو تأييدها بشكل مطلق، باعتبارها ستشكل نواة لتحول نوعي في المشهد السياسي المصري، منذ قيام الجمهورية على أنقاض النظام الملكي .

أما الموقف الثالث فقد اختار التحفظ عليها، والانتظار ترقبا لما ستسفر عنه من نصوص دستورية، تلبي آمال المواطنين، وتزيد مساحة الحريات العامة، وإن كان لا ينكر عليها أهميتها، وهو ما عبر عنه حافظ أبوسعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بقوله: أن هناك غموضا متعمدا شاب رسالة مبارك إلى مجلسي الشعب والشورى بخصوص تعديل المادة 34 من الدستور، ويعني أنه من الممكن تفريغ تلك التعديلات من محتواها بواسطة أعضاء الحزب الوطني (الحاكم) لدى مناقشتها في البرلمان والتصويت على إقرارها، وخصوصاً المواد المتعلقة بالإشراف القضائي على الانتخابات، وحرية تأسيس الأحزاب وغيرها من المواد الهامة في الدستور .

نقلة نوعية

ومقابل التحفظ على تلك التعديلات المقترحة، فقد رأى الفريق الموالي للحكم أنها تمثل نقله نوعية لم تشهدها مصر طوال تاريخها المعاصر، وأشار أنصار هذا الرأي إلى أنها تمنح نواب البرلمان صلاحيات أوسع في محاسبة الحكومة، وتقوي المجالس النيابية، وتعزز حقوق المواطنة، وتدفع مسيرة الديمقراطية، وهو ما عبر عنه أسامة سرايا رئيس تحرير صحيفة (الأهرام) الحكومية بقوله إنها خطوة جريئة وشجاعة على الطريق الصحيح، وستسهم في نقل مصر نقلة كبيرة على طريق الديمقراطية .

لكن في الجانب الآخر هناك من أثار تساؤلات حول المسكوت عنه في اقتراحات مبارك بشأن التعديلات الدستورية، وفي صدارتها أنه لم يتطرق للمادة التي تمنح رئيس الجمهورية الحق في البقاء في منصبه طيلة حياته، كما لا يتوقع معارضون أن تنهي هذه التعديلات المزمعة هيمنة الحزب الوطني الحاكم ومن يدورون في فلكه، على مقاليد السلطة في البلاد، حتى يخوض المنافسة بندية مع أحزاب المعارضة الأخرى

وذهب أسامة الغزالي حرب، وكيل مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية المعارض ـ تحت التأسيس ـ إلى القول إن عدم الاقتراب من المادة 77 يثير علامات استفهام، وأضاف قائلاً : quot;إذا أردنا إصلاحا سياسيا حقيقيا فلا بد أن تكون التعديلات حقيقية، وكان لزاما أن يتم تعديل المادة رقم 77quot;، وأشار إلى أن عدم الاقتراب من السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية أمر غير مبرر، واعتبر أن التعديلات الدستورية التي طلبها مبارك خطوة على الطريق، لكنها غير كافية لأن quot;الشيطان يسكن في التفاصيلquot;، لافتاً إلى الكرة أصبحت في ملعب البرلمان حالياً، وما سيشهده من مناقشات، وما سيقره من صياغات لتلك التعديلات الدستورية المقترحة .

الرأي ذاته عبر عنه بصيغة مختلفة منير فخري عبد النور، القيادي البارز في حزب الوفد المعارض إذ عبر عن تشاؤمه من حدوث انفراج إصلاحي كبير في مصر، وقال إن هذه التعديلات المقترحة لا تحد من هيمنة الحزب الوطني، وتساءل عن أسباب الإبقاء على المادة 77 التي تطلق عدد فترات الرئاسة إلى الأبد، وأشار إلى أن الرئيس تنازل في هذه المقترحات عن صلاحيات ثانوية لرئيس الوزراء الذي يختاره بنفسه، ويملك إبعاده وتغييره في أي وقت، من دون أية ضوابط سوى تقديراته الشخصية .

انتقادات حادة

وربط معارضون بين تلك التعديلات الدستورية المقترحة، وعملية الإصلاح السياسي برمتها، وذلك ضمن حزمة من المطالب التي تكاد معظم قوى المعارضة في مصر أن تجمع عليها، والتي يوجزها سمير فياض نائب رئيس حزب التجمع اليساري المعارض بقوله : quot;إن ما طرحه الرئيس أقل مما نطلبه كما وكيفاquot;، وأضاف قائلاً quot;كنا نطلب إشرافا قضائيا كاملا على الانتخابات العامة لكن التعديل يتجه لتقليص الإشراف القضائي حين يطالب بإجراء الانتخابات في يوم واحد بدلا من ثلاثة أيامquot;، وأردف مختزلاً أبرز مطالب المعارضة العلمانية بقوله : quot;نريد أن يصبح نظام الحكم برلمانيا بالدرجة الأولىquot; .

أما القيادي في حركة quot;كفايةquot; أحمد بهاء الدين شعبان فقال إن quot;هذه التعديلات جاءت أقل كثيرا مما كانت القوى السياسية والمجتمع المصري بأكمله كان يطمح، جميعها جاءت في حواشي الحياة السياسيةquot;، لافتاً إلى أن quot;هذه التعديلات لم تتناول القضايا الرئيسية وعلى رأسها هيمنة فئة بعينها على مقاليد الامور وسيطرة فرد على القرارquot; .

وأضاف قيادي quot;كفايةquot; قائلاً quot;إن قانون مكافحة الإرهاب ربما يكون أشد وطأة من حالة الطوارئ على القوى السياسية... المحصلة العامة مخيبة للآمالquot; .

أما جماعة الإخوان المسلمين فقد وجهت انتقادات حادة للتعديلات المقترحة، واعتبرتها quot;تكريساً لإقصاء لقوى المعارضة التي تتمتع بشعبية كبيرةquot;، وقال عضو مكتب الإرشاد في الجماعة عبد المنعم أبو الفتوح إنها تزيد الشارع السياسي بكل قواه وتوجهاته يأسا، وما تقدم به الرئيس مبارك من اقتراحات يكفل له المزيد من الاستئثار بالسلطة وانفراد الحزب الوطني بها مستقبلاًquot;، كما انتقد بقاء المادة 76 من الدستور كما هي من دون أن يسمح بتغييرها إلا بشكل يسمح فقط لمن يرضى عنهم النظام بالترشيح لانتخابات الرئاسة لإيهام العالم بأن مصر تشهد انتخابات نزيهة خلافاً للواقعquot;، على حد تعبيره .

وفي كل الأحوال، وأيّاً كان الاتفاق أو الاختلاف مع مضمون تلك التعديلات الدستورية التي أعلنها مبارك، فإن ثمة اتفاقاً بين المصريين على أن قاطرة الحراك السياسي قد انطلقت، فقبل سنوات قليلة كان مجرد التطرق إلى تعديل الدستور يعد ضرباً من المستحيل، وطالما أكد كبار رجال النظام، وعلى رأسهم مبارك، أن المساس بالدستور أمر غير وارد، لكن مياهاً كثيرة جرت في النيل، وجعلت ذلك المستحيل ممكناً .