احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(1/5)
شؤون الحكم وشجون المعارضة
بلال خبيز- بيروت: ينقل صحافي صديق عن الوزير الفلسطيني السابق محمد دحلان في حديث اجراه معه، قوله: إن بيانات حركة حماس منذ فوزها بالانتخابات لا تشبه بعضها بعضاً. وان كل بنان ينفي جزءاً من الذي سبقه. والأرجح انه لن يطول الزمن بها قبل ان تنقلب على كل بياناتها السابقة والمبادئ التي قامت عليها الحركة وصلّبت عودها طوال السنوات السابقة من عمرها، بحسب هذا المسار التدرجي في البيانات السياسية. قد تكون الصورة كاريكاتورية بعض الشيء، لكن الثابت ان الفارق بين استلام السلطة والعمل بموجباتها والعمل في جهة المعارضة جلي وواضح. حيث تستطيع المعارضة، اي معارضة ان تبقي سياستها قيد المحلية الصرف، وان تحكّم في شعبيتها وسياستها مزاج الجمهور المحلي اولاً وآخراً. في حين ان السلطة محكومة بعلاقات دولية وضغوطات لا تحصى ومن كل لون ونوع، ومحكومة ايضاً بتحقيق انجازات كبرى، لا تحتاج المعارضة في صعودها إلى الامتثال تحت قيدها.
هذا الأمر بديهي ومفهوم، لكن ما يطرح من باب الاستهجان حيال حركة حماس، وهي تستعد لتسلم السلطة يتعلق من باب اول بطبيعة التصنيف السياسي والايديولوجي الذي تم وضع هذه الحركة في إطاره. فهي حركة اصولية، تعريفاً، تولي الايديولوجية الايمانية جل عنايتها، وغالباً ما كان يؤخذ عليها، وحتى بعد فوزها في الانتخابات، ان خطابها لا يتغير بتغير الظروف. إذ يستلهم قادتها مواقفهم من ترسانة ايديولوجية ايمانية لا يمكن مناقشتها. فهذه الترسانة غالباً ما تنتج احكاماً اكثر مما تنتج اراءً ومواقف.
هذا التصنيف الذي تقع حماس في إطاره ويجمعها إلى أطراف كثيرة على امتداد العالم العربي والإسلامي، له سياق وتاريخ. فهذه الحركات السياسية الشعبية حكمت العنف فيصلاً في سياساتها، ونادراً ما كانت تفاوض او تهادن او تعمد إلى ربح معارك جانبية تمهيداً لربح المعركة النهائية. والثابت ان هذه الحركات التي شهدت ذروة انتشارها وخروجها إلى الحيز الإسلامي العام في اواخر الثمانينات واوائل التسعينات من القرن الماضي تشابهت في ما بينها تشابهاً مذهلاً، من حركات الإسلام الأصولي في مصر إلى الجزائر مروراً بأفغانستان وصولاً إلى القاعدة وتنظيم الزرقاوي في بلاد الرافدين. والحق ان حماس ولدت كحركة مناضلة ضد الاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة بالضبط. وهذه الولادة التي تزامنت مع تلك الولادات في طول العالم الإسلامي وعرضه، قد تكون المصدر الارجح لهذا الرأي الوازن الذي يعتبر الحركة عاجزة عن العمل السياسي وتالياً عاجزة عن الحكم في ظل ظروف عصيبة كالتي تمر فيها المنطقة عموماً. والحق ان اول تصريحات قادة حماس بعد فوزها الساحق في الانتخابات البرلمانية كانت تشير إلى هذا الحد او ذاك إلى هذا المسلك.
بادرت الحركة إلى دعوة حركة فتح الخاسرة في الانتخابات إلى الاستمرار في الحكم، ثم عادت واقترحت المشاركة في الحكم وتشكيل حكومة اتحاد وطني بالاشتراك مع حركة فتح. ورغم ان التصريحات الاولى لقادة الحركة لم تكن اكثر من تصريحات بديهية وطبيعية نظراً إلى الوضع الفلسطين المعقد، فإن المراقبين سرعان ما ردوا هذا التوجه في التصريحات إلى تخوف الحركة من التعامل مع الحكم بوصف الحكم في اراضي السلطة الفلسطينية يخالف حكماً المبادئ العامة التي نشأت عليها الحركة، لجهة عدم الاعتراف بدولة اسرائيل، من ناحية اولى، وعدم الاعتراف باوسلو والاتفاقات التي نجمت عنه من ناحية ثانية. هكذا لم يتوان المستشار الأمني للرئيس الفلسطيني جبريل الرجوب عن دعوة حماس إلى الدخول في مأزق السلطة. حيث اعتبر، في حديث متلفز، ان الحركة الاسلامية ستجد نفسها مضطرة لتقوم بما كانت تقوم به السلطة، وهذا بالضبط ما سوف يفقدها مصداقيتها امام ناخبيها، ويجعلها غير قادرة على الوفاء بمتطلبات الحكم البالغة الصعوبة في اراضي السلطة الفلسطينية. خصوصاً لجهة انسداد الآفاق تقريباً امام اي انجاز وطني يمكن ان يتحقق في ظل سياسة شارون المدعومة دولياً والتي يواليه عليها خليفته، وفي ظل الحصار الدولي المضروب على السلطة الفلسطينية على نحو كان يُوجب على اهلها ان يخضعوا لامتحانات قاسية من دون ان يستطيعوا الفوز باكثر من وعود غائمة بالدعم المادي والسياسي.
لكن ذلك كله لا يبدو قريباً من الوقائع التي اثبتتها الأيام القليلة الماضية. فحركة حماس ابدت مرونة لافتة من تصريح إلى تصريح ومن لقاء إلى لقاء. واستطاعت في فترة وجيزة ان تقطع شوطاً كبيراً في مجال التهيؤ للحكم في منطقة تحف بها العواصف من كل جانب.
اين يكمن اللغز اذاً؟ وهل ان حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين حاكمة هي حركة اخرى غير تلك التي عرفناها في المعارضة؟
ربما يجدر بنا العودة بالزمن قليلاً لإلقاء نظرة على تعقيدات الوضع الفلسطيني وعلى الظروف المحيطة به. بحيث يمكننا فهم ما يجري على نحو لا يجعل حماس واحدة من احتمالين: اما تكون حركة اصولية مغامرة تغامر بكل ما تحقق حتى الآن للفلسطينيين وبمستقبلهم معاً وجميعاً في آن، واما تكون حركة انتهازية وصولية لم يكن همها إلا الوصول إلى سدة السلطة تحت اي ظرف من الظروف. وفي هذين الاحتمالين ظلم لحركة حماس والشعب الفلسطيني على حد سواء.
التعليقات