لماذا تتمسك موريتانيا بعلاقتها مع اسرائيل
مسؤول إسرائيلي يزور نواكشوط

سكينة اصنيب من نواكشط

: لم تفلح موريتانيا قط في استغلال علاقتها مع إسرائيل لتسجيل موقف مشرف لصالح الشعب الفلسطيني عكس مثيلاتها من الدول التي تقيم علاقات كاملة مع إسرائيل كالأردن ومصر والتي أجبرت تحت ضغط جماهيري على الاحتجاج برفض استقبال المسؤولين الاسرائيليين أو حتى استدعاء السفير. ومنذ توقيع موريتانيا على اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل سنة 1999 ممثلة بوزير خارجيتها الحالي أحمد ولد سيدي أحمد وبرعاية مادلين أولبرايت ظلت زيارات المسؤولين الاسرائليين لنواكشوط تتزامن مع أقذر نشاط تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وحين كانت الجرافات والدبابات الإسرائيلية تقتحم أريحا استقبل العقيد علي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية الحاكم في موريتانيا بالقصر الرئاسي في نواكشوط، ياكوف هاداس هاندلسمان نائب المدير العام المكلف بقطاع الشرق الأوسط ومسلسل السلام بوزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي وصف أندلسمان العلاقات بين موريتانيا وإسرائيل بـquot;الجيدةquot;، وقال عقب اجتماعه مع الرئيس الموريتاني quot;بحثت مع الرئيس الموريتاني العلاقات الطيبة بين البلدين، والإمكانيات والسبل الكفيلة بتطويرهاquot;.

أما على المستوى الشعبي فقد قوبلت هذه الزيارة والتي تعد الأولى من نوعها لمسؤول إسرائيلي إلى نواكشوط، منذ الإطاحة بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع الذي أقام في نوفمبر 1999 علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، بمظاهرة قادها عشرات الطلاب في جامعة نواكشوط فيما اعتصم آخرون أمام مبنى السفارة الفلسطينية وسط العاصمة منددين بالزيارة ومعلنين تضامنهم مع الفلسطينيين في وجه آلة القمع الإسرائيلية. وردد الطلاب شعارات تدعوا لقطع العلاقة وتتهم السلطات الموريتانية بلعب دور المنقذ لإسرائيل كلما شعرت بحصار دولي أو عربي.

ورغم أن المجلس العسكري الذي قاد انقلابا في 3 أغسطس (آب) الماضي يتعلل بعدم قدرته على قطع العلاقات مع إسرائيل أو حتى تجميدها خوفا من الضغط الأمريكي تاركا الأمر للرئيس المنتخب مستقبلا، فإن لقاءات من هذا النوع تدعم اسرائيل أكثر مما تخدم مصالح موريتانيا.
وكان ولد محمد فال قد التقى بسيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي على هامش القمة الثانية لمجتمع المعلومات المنعقدة قبل أشهر بتونس، وأكد له أن العلاقة مع إسرائيل باقية على ما كانت عليه.

مرفوضة شعبيا مدعومة رسميا
ويرجع تاريخ التطبيع مع اسرائيل الى السنوات العشر الماضية حيث كانت للأحداث الدامية التي نشبت بين موريتانيا والسينغال سنة 1989، الأثر الكبير في علاقة نواكشوط بشريكها الاستراتيجي فرنسا بسبب دعم الأخير للموقف السينغالي. وبعد اتهامات بعض المنظمات الدولية لموريتانيا بممارسة العبودية وانتهاك حقوق الإنسان تدهورت العلاقات الموريتانية الفرنسية، مما حدا بموريتانيا الى إجراء اتصالات سرية بإسرائيل عن طريق اسبانيا توجت بفتح مكتبين لدعم المصالح في 1992.

وقد ربط المحللون ذلك التطور بأزمة ديبلوماسية عميقة بين نواكشوط والعاصمة الفرنسية باريس اثر اعتقال احد الضباط المقربين من الرئيس الموريتاني ولد الطايع بتهمة تعذيب السجناء السياسيين، فردت السلطات الموريتانية بقرارات غير مسبوقة تمثلت بطرد الخبراء العسكريين الغربيين وفرض تأشيرة دخول على جميع الفرنسيين.

وعليه فقد رأى المحللون في الخطوة النوعية الجديدة اتجاها للتحول عن علاقات الصداقة التقليدية بفرنسا الى علاقات بأمريكا من الباب التقليدي أي الباب الإسرائيلي، فتم تطبيع العلاقات سنة 1999. وقد شكلت هذا التطبيع مأخذا رئيسا للمعارضة الموريتانية على توجهات نظام ولد الطايع سيما أن هذه العلاقات لا تتأثر بكل التطورات المأساوية التي تشهدها الأراضي المحتلة.

وتعتبر علاقات موريتانيا مع اسرائيل واحدة من المفارقات التي تعددت اجتهادات المحللين في تفسيرها وتقديم الاسباب المنطقية لها، فهذا البلد من يكن يوما في موقع التأثر أو التأثير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه فالعلاقات مع اسرائيل تشكل استثناء لهذه القاعدة ذلك انها لم تكن مخالفة لتوجهات القسم الأعظم من الشعب الموريتاني فقط بل تجاوزت حد الذرائع التي عللت بها دول عربية وإسلامية مسألة إقدامها على إقامة هذه العلاقات.