الانشقاق على الكنيسة يثير عواصف في مصر
هجوم قبطي على ماكس واتهام للنظام بدعمه

نبيل شرف الدين من القاهرة: تماماً كما ذهبت التوقعات منذ اليوم الأول لإعلان المصري المدعو ماكس ميشيل حنا نفسه بطريركاً لكيان كنسي غامض

مكس ميشيل
يحيطه العديد من علامات الاستفهام، في ما وصفه المراقبون بأنه quot;يشكل أول انشقاق من نوعه داخل كبرى المؤسسات الدينية لكبرى الأقليات الدينية في الشرق الأوسط وهي الكراز المرقسية، التي يعتلي كرسي مارمرقس الرسول بها، بطريرك الأقباط الأرثوذكس، البابا شنودة الثالث، الذي يعالج حالياً في الولايات المتحدة من مرض ألمّ به في محطته العلاجية الثانية بعد ألمانيا، ومن المقرر أن يعود إلى مصر يوم الأحد المقبل.

وكما توقع المراقبون لهذه القصة أن تشتعل، فقد تفاعلت في مصر أصداء أزمة إعلان هذه المؤسسة الغامضة التي بدا واضحاً أنها تستند إلى دعم مالي ومعنوي كبيرين، وقامت برسم أساقفة، واعتماد مؤسسها ماكس ميشيل حنا بطريركا عليها باسم الأنبا مكسيموس الأول، وهو ما رفضته بشدة كافة الدوائر القبطية، سواء المحسوبة منها على الدوران في فلك السلطة، أو هؤلاء الذين يغردون خارج السرب الحكومي، وداخل مصر وفي أوساط أقباط المهجر، وعلى كافة الصعد الاجتماعية في البلاد. وهكذا تدحرجت كرة اللهب لتتحول هذه القصة إلى أزمة تنذر بعواقب سيئة، خاصة وأن القائمين على شؤون الكنيسة القبطية تخلوا في واحدة من المرات النادرة عن صمتهم التقليدي، واعتبروا هذا الأمر خطوة تستهدف شق صف وحدة الكنيسة المصرية التي ظلت متماسكة طوال عشرين قرناً .

من جانبها أكدت بطريركية الاقباط الارثوذكس أن البابا شنودة الثالث بخير، ويمارس عمله اليومي من مقابلات وكتابة مقالات في مقر إقامته في مدينة quot;كليفلاندquot; في ولاية quot;أوهايوquot; الأميركية، ونفت البطريركية في بيان لها ما تردد عن صحة البابا في إحدى الفضائيات العربية، وأكدت أن البابا سيعود إلى مصر مساء يوم الاحد المقبل .

صناعة حكومية

وحذرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من التعامل مع الكيان الجديد الذي أسسه ماكس ميشيل، واعتبرت الكنيسة في بيان لها ـ تلقت (إيلاف) نسخة منه ـ أن قيامه بتأسيس كلية لاهوتية quot;إجراء باطلquot; ينبغي أن تتصدى له السلطات العامة، كما حذر البيان أيضاً من إصدار ماكس ميشيل مجلة يهاجم فيها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ورئاستها الشرعية ممثلة في البابا شنودة الثالث .

يأتي هذا في الوقت الذي تحدث فيه نشطاء أقباط، ومنهم عدلي أبادير رئيس منظمة quot;الأقباط متحدونquot; التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، عن جهات حكومية ـ لم يسمها ـ تقف خلف إعلان ماكس ميشيل لشغل الأقباط بأزمة داخلية مفتعلة، تستهدف كبحهم عن المضي قدماً في ممارسة الضغوط السياسية على النظام الحاكم في مصرquot;، وفق تقديره، ولفت إلى أن quot;هذه الضجة المفتعلة جاءت كرد فعل على سلسلة المؤتمرات التي عقدها في سويسرا والولايات المتحدة، والتي أثارت أصداء واسعة لدى الرأي العامquot;، مشيراً إلى أن quot;هذا الإعلان المشبوه عن الكنيسة المزعومة، قد أثار حفيظة قطاعات واسعة من الأقباط داخل البلاد وخارجها، خاصة أنه يتزامن مع أجواء ترقب نتائج رحلة البابا شنودة العلاجيةquot;، على حد تعبير أبادير.

وعودة إلى بيان الكنيسة القبطية الذي مضى قائلاً إن ماكس ميشيل استعان بعناصر فصلت من الكنيسة الأرثوذكسية لارتكابها أخطاء دينية وسلوكية، لتكون نواة لطائفته المنشقةquot;، وأوضح أن المنشق ميشيل نادى بزواج الأساقفة، وهو ما أكد بيان الكنيسة أنه أمر مخالف للعقيدة الأرثوذكسية، مشيراً إلى أن ماكس ميشيل حاول استغلال بعض مشكلات الأحوال الشخصية للأقباط، وقدم لها حلولاً على طريقته الخاصة بما يتنافى مع ما جاء في الكتاب المقدسquot;، وفق ما ورد في البيان.

ويشهد الشارع القبطي في مصر الآن عواصف عاتية، ومن عدة جهات تزامنت خلالها عدة أحداث، منها مرض البابا شنودة الثالث، وقرار النيابة العامة بإحالة المتهم بمهاجمة كنائس الإسكندرية إلى مستشفى الأمراض النفسية، ثم جاء تأسيس هذا الكيان الجديد لما يسمى quot;المجمع المقدس للمسيحيين الأرثوذكس في مصر والشرق الأوسطquot; برئاسة ماكس ميشيل الذي أطلق على نفسه لقب الأنبا مكسيموس الأول.

واللافت في هذا التطور هو ذلك الحضور شبه الرسمي للحزب الوطني (الحاكم) عبر الدكتور جهاد عودة، عضو لجنة السياسات في الحزب التي يرأسها جمال مبارك نجل الرئيس المصري، وهنا تجدر الإشارة إلى أن د. عودة حضر إعلان ماكس ميشيل عن مجمعه المقدس، فضلا عن مشاركته السابقة في المؤتمر الرابع لأقباط المهجر في quot;نيوجيرسيquot; في الولايات المتحدة يوم التاسع عشر من حزيران (يونيو) الماضي، ما دفع بعض النشطاء الأقباط إلى توجيه أصابع الاتهام للنظام المصري، بأنه أعطى الضوء الأخضر لماكس لإشهار كنيسته المزعومة للأرثوذكس في مصر .

قصة ماكس

وحول خلفية ماكس ميشيل الشخصية، فهو طالب سابق في الكلية الإكليركية منتصف السبعينات، لكن فُصل منها لأنه كانت لديه quot;ميول بروتستانتيةquot;، كما علمت (إيلاف) من مصادر قريبة من الكنيسة القبطية، التي قالت في بيان لها إن ميشيل حصل على رتبته الدينية المزعومة من بعض المنشقين عن الكنائس الأرثوذكسية في العالم، خاصة في الولايات المتحدة، وبالتالي فهذه الرتبة باطلة، لأن هذه العناصر غير معترف بها في أي من الكنائس الرسولية ولا الأرثوذكسية في شتى أنحاء العالم .

من جانبه قال المحامي القبطي ممدوح نخلة، رئيس مركز quot;الكلمةquot; لحقوق الإنسان، إنه وفقا للقانون رقم 642 لسنة 55 فلابد لإنشاء أي طائفة جديدة استصدار قرار جمهوري لها، وأيضا قرار بالموافقة من وزارة الداخلية عليها وهو أمر غير متحقق في حالة ماكس ميشيل وكيانه الجديد، حيث لا توجد عليها موافقة سوى وزارة الخارجية الأميركية وتصديق من الخارجية المصرية على تلك الموافقة، وهو مجرد إجراء يتبع مع شتى الوثائق الصادرة من جهات أجنبية، ولا يعني إقراراً رسمياً من الدولة بذلك الأمرquot;، وفق تعبير المحامي القبطي .

ومضى نخلة قائلاً إن الخارجية المصرية في نهاية المطاف لا صلة لها بإنشاء الكنائس، وأنه أقام عدة قضايا ضد ماكس ميشيل، منها جنحة مباشرة تتهمه بالاحتيال وانتحال صفة البطريرك دون وجه حق، ومحاولة شق المجتمع القبطي بإعلانه عن طائفة جديدة غير مشروعة قانونياً، فضلاً عن سب وإهانة رئيس الكنيسة الأرثوذكسية البابا شنودة الثالث، بألفاظ يعاقب عليها القانون . على الجانب الآخر من هذا المشهد المحتقن يصر ماكس ميشيل على مواصلة مساعيه الرامية للحصول على موافقة الجهات الرسمية، وفي صدارتها وزارة الداخلية لاعتماد أختام كنيسته، وقال إنه أوكل الدكتور حمدي عبد الرحمن، العميد السابق لكلية الحقوق في جامعة عين شمس، لرفع دعوى أمام القضاء الإداري لإثبات وجود الكنيسة ككيان رسمي يعبر عن طائفة مستقلة.