خلف خلف من رام الله، القدس: أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت علق خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن بالكنيست على التقارير التي نشرت حوا إبرام صفقات من أجل إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين المختطفين، وقال: إن كل ما يُنشر بشأن المختطفين وإعادتهم غير صحيح. إننا نواصل جهودنا ولكن ما يُقال لم يحدث ولا أساس له من الصحة.
هذا فيما يحاول أولمرت منذ أشهر عدة إظهار نفسه بمظهر الناجح سياسياً، والذي بإمكانه إدارة أموره بشكل جيد، كما يظهر كشابٍ يقظٍ حاضر البديهة، ومتطور، وذكي، وعلى علمٍ بالتفاصيل كافة، ولديه السرعة في اتخاذ القرار، لكن حرب لبنان شكلت بالنسبة له الأزمة الأولى في منصبه هذا، بل ربما كانت انحرافاً إلى حدٍ ما عن سياسة سابقه ارييل شارون؛ وذلك بالدخول في حرب خاطفة امتنع شارون عن القيام بها، كونه كان يدرك الخسائر التي قد تلحق في الجبهة الإسرائيلية، ولذلك اختار المحافظة على قاعدة (توازن الرعب).
وللتدليل على محاولات أولمرت المستميتة لإظهار نفسه بالقائد الناجح أكثر من سلفه شارون، ننشر استناداً لمصادر عبرية ما حدث في خفايا أروقة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يوم الأربعاء الثاني عشر من يوليو الماضي، فعند الساعة التاسعة صباحاً التقى أولمرت مع والد الجندي جلعاد شاليط الأسير لدى الفصائل الفلسطينية. واستناداً لمصادر إسرائيلية عليمة دخل أثناء اللقاء إلى الغرفة سكرتير أولمرت العسكري وأبلغه بعملية اختطاف جنديين آخرين على الحدود الشمالية، في أشارة لعملية حزب الله، فرد أولمرت منفعلاً: (قل لهم إياهم واللعب معنا فنحن بانتظارهم).
وبعد مرور ساعتين تحدث أولمرت هاتفياً مع وزير الأمن الإسرائيلي عمير بيرتس ورئيس الأركان للجيش الإسرائيلي دان حالوتس، حيث صادق على عملية قصف جوي محدودة داخل الأراضي اللبنانية، وعند الظهر التقى أولمرت برئيس الوزراء الياباني، ثم عقد مؤتمر صحفي حدد فيه القواعد والأهداف المراد تحقيقها في الحرب؛ إذ قال: لقد بات واضحاً جداً أن دولة إسرائيل سوف ترد على ما حدث.
وعند الساعة السادسة مساء وصل ممثلو الجيش الإسرائيلي إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في وزارة الأمن بتل أبيب حيث استعرض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ثلاثة بدائل هي: الشروع بحرب ضد حزب الله فقط، أو ضد حزب الله والبنى التحتية في لبنان، أو عملية ضد حزب الله ولبنان وسوريا. ويشار هنا إلى أن كل واحدة من هذه الخطط قد اعتمدت على قاعدة الرد بإطلاق نار مضاد، أي أنه بالإمكان حسم المعركة جواً دون الغوص برياً في لبنان، لكن رئيس اركان الجيش الإسرائيلي كان مؤيداً للبديل الثاني أي مهاجمة حزب الله ولبنان، بما في ذلك ضرب إسرائيل لكافة البنى التحتية.
ويقول أحد المسؤولين: لقد عرض كل مسؤولٍ وجهة نظره، ولم تكن هناك توصية واضحة إزاء أي بديل من البدائل الثلاثة، في حين أن أولمرت فضل العمل ضد حزب الله فقط، أي أنه كان يسعى إلى تحقيق أكبر عددٍ من النتائج، والحد الأدنى من الإصابات، كما جاء في تحليلٍ لأحد مراكز الدراسات العسكرية الأمريكية، كما أن الإدارة الأمريكية كانت معارضة لضرب البنى التحتية الكهربائية في لبنان.
وعند الساعة الثامنة مساءً من يوم الأربعاء اجتمعت الحكومة الإسرائيليى في مقر وزارة الأمن؛ حيث استعرض رئيس الأركان خطة العملية طالباً الحصول على مصادقةٍ فوريةٍ لعملية تقضي بإطلاق صواريخٍ من الطائرات المقاتلة نحو المباني السكانية في القرى اللبنانية، التي قام سكانها بإخفاء منصات إطلاق صواريخ بعيدة المدى، لكن الوزير الوحيد الذي أبدى تحفظه من هذه التوصية هو الوزير شمعون بيرس نائب أولمرت الأول، وتساءل قائلاً: وماذا سيحدث بعد هذه العملية؟ فرد عليه رئيس الأركان بالقول: دعونا ننه هذه المرحلة أولاً ثم ننتظر ماذا ستكون النتائج، وعندها نفكر، أما الشخص الوحيد الذي أيد عمليةً بريةً واسعة النطاق فهو الوزير بنيامين بن اليعيزر عضو المجلس الأمني المصغر في حكومة أولمرت.
وحسبما تؤكد المعطيات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين فلم تكن هناك معارضةٌ لتوجيه ضربةٍ عسكريةٍ، كما تطايرت الشعارات المختلفة خلال جلسة الحكومة الإسرائيلي مثل؛ العمل على تغيير قواعد اللعبة، أو تفعيل قوةٍ هائلةٍ جداً، وتوضيح الثمن الباهظ الذي سيدفعه من يحاول الاعتداء على إسرائيل، كما كان شعار الجلسة: أن يعلم حزب الله ولبنان أن صاحب البيت أصيب بالجنون.
ومن جهة أخرى فقد كان هناك اعتقادٌ بأن حزب الله سوف يرد بإطلاق الصواريخ ضد التجمعات السكنية الإسرائيلية، وبموازاة ذلك أخذت تظهر في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي لأول مرة وبشكل لاذع بوادر للعمل على تدمير سياسة شارون في لبنان، وأحاديث متداولة من قبيل أن شارون كان متخوفاً من حرب سلامة الجليل، بل كان مشلولاً وتجاهل الأخطار، أما أولمرت فيملك الشجاعة على القيام بما لم يجرؤ شارون على فعله.
ويذكر أن أولمرت خلال هذه النقطة الزمنية قد أدرك ndash; كونه رئيس حكومة مدني- أن عليه برهنة أن الأمر لا يشكل مساً بالعزم والإصرار والشجاعة، بمعنى أنه لم ينتظر، ولم يدرس الأمر، بل اتخذ قراراً حاسماً مباشرة، كما أعلن فيما بعد عن الاستجابة لكافة طلبات المستوى العسكري، مما جعل أحد الوزراء يتساءل ويقول: من يُوجهه يا تُرى؟
ومن جهة أخرى كان رئيس الأركان للجيش الإسرائيلي قد أبلغه بأن المعركة قد تدوم أربعة إلى ستة أو ثمانية أسابيع، إلا أن ألمرت لم يتصور مواصلة إطلاق القذائف الصاروخية على إسرائيل حتى آخر يوم من أيام الحرب.
وفي غضون ذلك لم يحاول أحد من الوزراء الإسرائيليين بمن فيهم أولمرت أيضا القيام بفحص مدى استعداد الجبهة الداخلية، بل أصدروا الأوامر بالاستعداد أثناء المعارك الدائرة. فلقد صادقت حكومة إسرائيل على العملية، حتى أن المستوى العسكري كان مندهشاً من سرعة المصادقة عليها وبهذا الحجم، غير أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هو؛ أنه لم يقم وزناً لانعدام الخبرة والتجربة لدى الوزراء في الحكومة الإسرائيلية بمن فيهم رئيسها إيهود أولمرت ذو الخلفية المدينة، وهذا ما أكده المقربون من دان حالوتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء المعارك.
رغبة في لقاء الرئيس الفلسطيني
من جهة ثانية قال اولمرت أنه يرغب في اجراء حوار مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤكدا ان quot;المشكلةquot; الفلسطينية هي اكثر المسائل الحاحا التي تواجه الدولة العبرية. وصرح اولمرت للصحافيين quot;ارغب وانوي اجراء حوار مع ابو مازن (محمود عباس)quot;. واضاف quot;لا توجد لدينا مشكلة اكثر الحاحا من المشكلة الفلسطينيةquot;.
وكان عباس واولمرت تقابلا اخر مرة في 22 حزيران(يونيو) في الاردن، حيث التقيا بشكل غير رسمي على مائدة فطور اقامها العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في مدينة البتراء. وقطعت الحكومة الاسرائيلية كافة الاتصالات مع السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس في 11 نيسان(ابريل) بعد ان شكلت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الحكومة الفلسطينية عقب فوزها المفاجئ على حركة فتح في الانتخابات التي جرت في كانون الثاني(يناير) الماضي.
وتعتبر اسرائيل اضافة الى الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، حركة حماس منظمة ارهابية. وقال اولمرت quot;لم نعقد لقاءات في الماضي ليس لانني لم اكن ارغب في ذلك، ولكن لانه كانت هناك صعوبات في توقع نتائج من اللقاءات مع الجانب الفلسطينيquot;.
واضاف quot;هناك سلسلة من الاجراءات التي كان من الممكن ان تتم، ولكن خطف جلعاد شاليت حال دون ذلكquot;، في اشارة الى الجندي الاسرائيلي الذي يحتجزه مسلحون فلسطينيون في غزة بعد اختطافه في عملية ادت الى مقتل جنديين اخرين في 25 حزيران/يونيو. وقال quot;طالما لم تتم اعادة جلعاد شاليت، فلن اتعامل مع مسالة اطلاق السجناء (...) لقد قلت في الماضي، قبل عملية الخطف، انه في اطار المحادثات بيننا، فقد كنت مستعدا لاطلاق سراح السجناء الفلسطينيينquot;.
وطالبت المجموعات الثلاث التي نفذت العملية، بما فيها الذراع المسلح لحركة حماس، اسرائيل باطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين مقابل الافراج عن الجندي شاليت. الا ان الدولة العبرية طالبت بالافراج غير المشروط عن الجندي، في حين نقلت وسائل الاعلام المحلية ان المفاوضات بهذا الشان تجري بوساطة مصرية.
خطط الانسحاب من الضفة الغربية لم تعد تمثل اولوية
وقال اولمرت ان خطط الانسحاب من اجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة وترسيم حدود اسرائيل الدائمة لم تعد تمثل اولوية. وصرح اولمرت للصحافيين بعد جلسة مع لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في البرلمان الاسرائيلي quot;في الوقت الحاضر لا تعتبر مسالة ترسيم الحدود على لائحة اولوياتنا كما كانت قبل شهرينquot;. واضاف quot;ليس لدي شك في ان تغييرا قد حدث في الامور التي كنت اعتقد انها اولويات، وقد تغيرت كذلك اولويات اسرائيل في التعامل مع المشكلة الفلسطينيةquot;.
واوضح اولمرت ان اسرائيل quot;ليس لها مصلحة في الهروب من المسالة الفلسطينيةquot;، مضيفا quot;اعتقد ان علينا ان نواجه هذه المسالة ونفكر في طرق اخرى (للتعامل معها)quot;. وكان حزب quot;كاديماquot; الوسطي بزعامة اولمرت قد فاز باغلبية ضئيلة في الانتخابات التي جرت في 28 اذار(مارس) والتي ارتكزت على تطلعاته للانسحاب من اجزاء واسعة من الضفة الغربية من جانب واحد وضم الكتل الاستيطانية الكبيرة فيها الى اسرائيل.
التعليقات