سمية درويش من غزة: قال الوزير الفلسطيني الاسبق حسن عصفور ، أحد المشاركين الرئيسين في المفاوضات التي أوصلت إلى اتفاقية أوسلو، ان الاتفاقية لم تعد قائمة، مع ان لها ضرورة ، معتبرا في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; ان القوى الإسلامية في فلسطين استفادت من تلك الاتفاقية أكثر مما استفاد اليسار الفلسطيني.
ولفت عصفور ، إلى أن الاتفاقية لم تحقق السيادة الكاملة للفلسطينيين ، لكنها انتقصت من هيمنة الاحتلال ، وأجلت القضاء على ياسر عرفات وعلى المنظمة ، مؤكدا ان عهد التنازلات قد ولى ، وأشار إلى نشوة الانتصار التي أحس بها الرئيس الراحل ياسر عرفات لحظة توقيع الاتفاقية ، وشعوره باستعادة الكيانية الفلسطينية على الأرض ، وليس على الورق.
وفي ما يلي نص الحديث:
* في أيلول quot;سبتمبرquot; العام 93 اعترف عرفات بحق إسرائيل في الوجود ووقع اتفاقية أوسلو، باعتقادك هل ان هذه الاتفاقية ما تزال قائمة حتى اليوم؟
الاتفاقية لم تعد قائمة من الناحية الموضوعية، مع أن لها ضرورة، ويجب ان تعود العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية مع وضع حد للاستيطان وإنهاء الاحتلال لعام 67. إسرائيل أوقفت عجلة الاتفاق مستغلة الأعمال التي جرت في العام 96 ، عندما جاء الليكود للسلطة أطلق حينها مصطلح انه لا يوجد شريك لعملية السلام ، وبعد فوز نتنياهو عطل الاتفاق الخاص بقوة الدفع متطلبا الخطوة التالية في الاتفاق للانتقال إلى بروتوكول الخليل أو إعادة الانتشار ، فالموضوع كان ضرورة وبحاجة إلى اتفاق سلام على أسس واضحة ومحددة .
إسرائيل لم تعد جاهزة لاتفاق سلام ومن يعتقد أنها ستستمر فهو اما واهم او جاهل ، لا يوجد توازن وطني او إقليمي يجبر إسرائيل على إعلان المبادئ ، وانسحابها حتى أراضي العام 67 ، وحتى قضية اللاجئين . الانتفاضة الأولى كان لها دور جازم في الحل ، هناك متغيرات أجبرت إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير ، والوضع الإقليمي الحالي في منتهى الانهيار والضعف وأصبح quot;ملطة سياسيةquot; ، والجميع يدرك أن هذا الوضع في منتهى المأساة.
* ماذا كان دورك وعلى ماذا كنت تفاوض؟
الفريق مصغر مكون من 2-3 ، وهو بشكل أساسي مع احمد قريع (أبوعلاء) وطرف آخر مساعد كان يفاوض على مضمون الاتفاق، ناقشنا كيف يمكن ان نصل إلى عملية السلام ونضع حدا لعملية العداء وصولا الى التعايش السياسي. وكان لا بد من عقد صلح تاريخي يخدم الوضع القائم لكل شعب لكي يتعايشوا مع بعض.
اتفق بان العمل العسكري الفلسطيني والانتفاضة ساهما إلى جانب العمل السياسي في التوصل إلى حل سياسي ، لا يوجد حل عسكري بيننا وبين إسرائيل، ومعطيات الحل الراهن إقليمية أو دولية وليس فلسطينية أو إسرائيلية .
* قيادات فلسطينية ذكرت بان عرفات بعد أوسلو دخل في quot;مقلب وانضحك عليه quot; ، ما ردك على هذا؟
نعم هناك من هم ضد أوسلو ، ولغاية الآن تعاملت الناس مع أوسلو بنت لحظتها ، ومن كان يمعن في هذا الاتفاق الداخلي كان يعارض ، أما الآن فالتمني السياسي يضعف المنطق. الولايات المتحدة الأميركية وضعت خطة لإنهاء عرفات وإنهاء المنظمة
، أوسلو أجلت القضاء على عرفات وعلى المنظمة إلى أن طالت المنظمة ، وكل من عارضوا هذه الاتفاقية هم الآن مستفيدون من أوسلو ، والبقاء على رأس عملهم ، وأوسلو حافظت على الكيانية السياسية .
الانتخابات التشريعية لترسيم قواعد أوسلو التي جاءت بالسلطة ، والتي أفضت بحالة سياسية جديدة ، ومحاولة أميركا إبعاد ياسر عرفات بعد مؤتمر مدريد ، ولكن في أوسلو أدركوا أن هذه المقامرة فاشلة .
* هناك من يقول انه بعد يأس عرفات من العملية السلمية ولم يعطوه شيئا وافق على ان تقوم بعض القوى الفلسطينية بعمليات عسكرية ومن ضمنها تسهيل إدخال السلاح إلى فلسطين؟
التشكيك في عرفات سهل ، فقد انتهى ولكنه لم ييأس من العملية السياسية حتى وفاته ، والدليل انه ذهب إلى كامب ديفيد وصارع ، وخاصة في قضية القدس مفتاح الحل السياسي ، فهي القدس وبدون القدس لا يوجد حل ، وحاول بعد ذلك في مفاوضات طابا كانون الثاني quot;ينايرquot; العام 2001 ، ووافق على خارطة الطريق من ناحية ديناميكية سياسية لم يفقد ثقته .
لدينا سلاح شرعي ولا يراد به التصادم بين الفصائل وبعض العمليات تضر بالمشروع السياسي ، وحتى عام 96 عندما شعر الرئيس بالخطورة تم اعتقال بعض الإخوة في حماس لعدة أيام ، ولكن في العام 2000 أخذت العلاقة منحى ايجابيا ، وفي بعض المرات دفع ثمن بعض مواقفه.
* لماذا برأيك رحلت اتفاقيات أوسلو ولم تضع حلا للملفات الثلاثة ، اللاجئين ، القدس ، مستوطنات الضفة الغربية؟
الذي رحل ليس أوسلو ، وهذه الأكذوبة التي تطلقها احدى القوى السياسية ، ومؤتمر مدريد الذي وافق عليه العرب بما فيه الإخوة في سوريا وعند الرجوع لاتفاق مدريد لم يكن من السهل تغيير قواعد اللعبة السياسية ، وذهبنا إلى أوسلو لإيجاد حل نقدمه إلى ان حدث متغير سياسي، طلبوا بدخول بعض القيادات ، فأصر حينها الرئيس على الدخول ، والاعتراف المتبادل جاء برغبة من الرئيس عرفات للدخول إلى الوطن ، ففضل ان يدخل رهينة سياسية داخل شعبه ، بدلا من ان يكون رهينة سياسية لأطراف خارجية.
* كيف كانت علاقة أبو مازن مع عرفات في ذلك الوقت ؟
كانت ممتازة
* وكيف أصبحت في السنوات الأخيرة؟
بالمعني الحقيقي متذبذبة في لحظات جيدة وساخنة ، علاقة فيها طابع إشكال ، لم تكن كما كانت ، ولم تعد عند لحظة الدخول إلى الوطن ، وليس كما كانت في الخارج إلى ان حدث بعض التباين في قضية الدخول ، واجل دخول أبي مازن سنتين.
* أوسلو انتقصت من السيادة الفلسطينية ، كيف قبلتم بهذه البنود؟
أوسلو لم تأت بالسيادة ، بل انتقصت من هيمنة الاحتلال نحو السيادة الفلسطينية ، فلم تكن لدينا سيادة أصلا ، جاءت أوسلو لتأخذ من الاحتلال نحو السيادة ، مما تجعل الكلام من تراب وليس من ذهب كما يشاع.
لقد خرجت غزة إلى شاطئ البحر أيام وأيام لاستقبال الرئيس عرفات والسهر حتى الصباح الباكر ، وفي أيار عام 94 كان الشعور بالأمان حينها أكثر مما هو عليه الآن على الرغم من ان غزة الآن محررة ، ولكن العام 94 كانت ترسخ تحت الاحتلال.
*كيف كان مزاج الطرف الإسرائيلي إبان التوقيع على الاتفاقية ؟
حدثت مشكلة في نهاية التوقيع أصرت إسرائيل أن تشمل الاتفاق باسم الوفد المشترك ، فرفض الرئيس عرفات وأبى الا التوقيع باسم المنظمة ، فهذه كانت أول إشكالية ، وذهب بعض الإخوة إلى بيرس والطرف الإسرائيلي للتفاهم معهم.
على المنصة كان الرئيس عرفات أكثر إقبالا ، على العكس من رابين وبيرس اللذين كانا مترددين في مصافحة عرفات ، فكما رأينا كان الرئيس في عنفوان وشموخ لانتصاره وإحساسه كمن أعاد الكيانية الفلسطينية على الأرض وليس على الورق ، وجني ثمارها يعود إلى ارض الوطن وبدأ يحس ان جزءا من ثماره يعود .
هناك شخص يشعر بنشوة الانتصار ، رغم ان الطرف الإسرائيلي هو الأقوى يشعر بالارتباك ، وهذا التغير في الحالة النفسية هو تعبير عن الحالة السياسية ، وكان تردد بيرس ورابين واضحا إلى ان مد الرئيس الأميركي الأسبق يده ، وشد رابين من يده لكي يصافح عرفات ، وهناك بعض الإسرائيليين قالوا لي ، انتم مقبلون ونحن مدبرون ، بمعنى أننا خائفون منكم وهذا يعبر عن صيغة الصراع والصمود والتحدي .
* برأيك هل عهد الحلول الوسط انتهى ولا يوجد مجال للتقابل مجددا؟
هذه المسألة مؤجلة لفترة غير منظورة تأتي في إحساس التوازن ، فليس لنا شيء نقدمه ، ولا يوجد شيء للتنازل عنه ، فقد انتهى عهد التنازلات ، الحلول الوسط تأتي في إطار توازن ، وان الوضع الآن ليس في أجواء توازن.
* أوسلو ترك لنا يسارا فلسطينيا مهشما ومحطما كما أظهرته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة ، كيف يمكن التغلب على ذلك؟
أي قوى سياسية لا تعتمد على الأحداث ، فالحدث لا يضعف القوى السياسية فكما هو واضح ، لماذا حماس والجهاد مثلا أصبحتا أكثر قوة بعد أوسلو ، مع أن المنطق أن يقوى اليسار ، القصة كيف تتعامل مع الحدث .
فالقوى الإسلامية استفادت من اتفاق أوسلو أكثر مما استفاد منه اليسار ، والفلسطينيون خسروا بضعف اليسار ، ولا بد من إعادة الاعتبار لهم ، اليسار كقيمة سياسية ومفهوم وبرنامج ، وإذا كان اليسار يتمتع بقوة فسيستفيد المجتمع من مكانته لأنه يعمل توازنا مع التيار الإسلامي الموجود ، فيجب أن تشعر أي قوى بأنها مراقبة من الطرف الآخر كي تعدل.
* برأيك هل اتفاق أوسلو أنهك منظمة التحرير ؟
أوسلو قدمت أدوات للمنظمة بعد السلطة ، لان أبا عمار تعامل مع أدوات الحكم بين يديه والعالم الخارجي كله يدعم السلطة فتعامل معها ، وفي العام 96 انعقد المجلس الوطني في غزة وكان هناك مهرجان حضره الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ، والمنظمة لم تستمر بفعاليتها السياسية ، ولم تؤخذ حسابات المنظمة بشكل جاد واكتفينا بحسابات السلطة وكان من المفروض التعامل بحسابات السلطة وحسابات المنظمة.
* هل السلطة الجديدة من نتائج أوسلو ؟
طبعا فهي من صلبها قانون الانتخابات ، ومن أوسلو قانون معدل على قانون ، مثلا الوزارة من أوسلو ، ورئاسة الوزراء quot;خارطة الطريقquot; والأجهزة الأمنية في إطار اتفاق ، والدعم المالي في إطار الدول المانحة كله نتيجة اتفاق سياسي.
* لكن هناك من يقول إنها جاءت لتمحو آثار أوسلو ؟
هذا التيار من حقه ان يقول جاء ليمحو أوسلو ، ولكن من يستلم السلطة ومؤسساتها لا يستطيع أن يمحو كيان سلطة بمؤسساتها ، يمكن أن يغير فيها وله الحق في ذلك ، وقبل يومين قال الأخ إسماعيل هنية ان كل الوزراء يستطيعون لقاء نظرائهم الإسرائيليين ، وهذا دليل على انه يتم في سياق أوسلو وتأكيد أن نطاق أوسلو لا ينتهي ، وتصريحه هذا جزء لاعتراف بهذا الإطار.
* أكثر المواقف تذكارا لما كان يدور خلف كواليس المفاوضات؟
أشهر موقف في تموز كنا توصلنا إلى تفاهمات ، جاء quot;يوئيل زنجرquot; المستشار القانوني الإسرائيلي لإلغاء التفاهمات ، فانفجرت انفجارا حادا وفي إطار التفاوض ، فقلت له أنت شخص مسكون بعقدة الخوف ولا استطيع أن أحررك منها ، وليس من مهمتي توفير الأمن لأي مواطن إسرائيلي ، ومهمتك تحرير نفسك من الخوف ، والأمن في إطار سلام ان نتعايش ، لا احد يستطيع هزم الشعب الفلسطيني لأننا أقوياء.
* لماذا كانت مفاوضات مدريد تجري في حين كانت مفاوضات سرية في أوسلو؟
بدأت مدريد في 91 وأوسلو العام 93 ، واعتقد بان المفاوضات بدأت مع الليكود الذي لا يريد أن يصل إلى حلول ، حزب العمل جاء للتفاوض مع المنظمة من اجل إيجاد حل إلى جانب الفريق الأميركي كون المنظمة هي صاحبة القرار ، وعلى هذا تم الاتفاق معها.
التعليقات