واشنطن: كان صدمة كبيرة بالنسبة للكثيرين من مسؤولي الإدارة الأميركية، فلم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تحدث مثل هذه الصدمة، تلك الصدمة أحدثها تقرير وكالة المخابرات الأميركية حول قيام إيران بوقف أنشطتها النووية العسكرية منذ عام 2003. فهل يكون هذا التقرير مقوضا لإستراتيجية الإدارة الأميركية للتعامل مع الجمهورية الإسلامية؟ هل يمكن أن يكون عاملا محفزا لإعادة النظر فى هذه الإستراتيجية للتوافق مع هذه المتغيرات الجديدة؟
تقرير الاستخبارات: نصر لإيران أم هزيمة لأميركا؟
اهتمت وحدة التحقيقات فى شبكة CNN هذا الأسبوع بالتقرير الذى نشره مقياس المخابرات القومى فى وكالة المخابرات الأميركية CIA حول البرنامج النووى الإيرانى العسكرى منذ عام 2003، واعد كامبل براون تقريرا تحت عنوان quot;إيران: الحقيقة والخيالquot;. في البداية عرض براون للجدل الذى دار حول هذا التقرير، فبالرغم من أن التقرير أكد أن إيران قد أوقفت أنشطتها النووية العسكرية من عام 2003، إلا أن الرئيس الأميركى جورج بوش مازال يصر على أن شيئا لم يتغير، وأن إيران مازالت تمثل خطرا كبيرا على السلم العالمي، وان تركها تمتلك التكنولوجيا اللازمة لصنع السلاح النووى سوف يؤدى إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
إيران وأميركا . تعاون في الخفاء وصراع في العلن
على صعيد متصل حاول براون في هذا التقرير تقديم تحليل واقعي للعلاقة بين واشنطن وطهران خلال الفترة الماضية خصوصا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ووضعها من قبل الرئيس بوش ضمن دول محور الشر التي تدعم الإرهاب في العالم وتهدد الأمن والسلم العالميين. وطرح براون وجهة نظر مغايرة لما هو مشاهد الآن لطبيعة العلاقة بين الطرفين المتناحرين (واشنطن وطهران)، وكأن لسان حاله يقول أن سياسة التصعيد التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي بوش منذ أحداث سبتمبر كانت لها أهداف أخرى غير تلك المعلنة، فالعلاقة بين إيران والولايات المتحدة كان يمكن أن تتخذ منحى آخر اقرب إلى التعاون من هذا المنحى الصراعى الذي يسمها في الوقت الحالي.
فبعد أحداث سبتمبر شهدت العلاقات بين الغريمين تطورا ايجابيا كبيرا توج بالتحالف الذي قام بينهم في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد نظام طالبان في أفغانستان. وفى هذا الإطار عرض التقرير لوجهة النظر التي طرحها جاميس دوبنز المبعوث الخاص لإدارة بوش في أفغانستان، والذي أكد على أن هذه الحرب قد شهدت مستوى عالي من التعاون والتنسيق بين البلدين، ليس فقط في إطار العمليات العسكرية ضد نظام طالبان، بل أيضا في الجهود التي بذلت لإعادة بناء الحياة السياسية وعمليات إعادة الاعمار هناك. بل أن الأمر الأكثر دهشة في هذا التعاون الذي حدث أن إيران نفسها ndash; طبقا لما ذكره دوبنز ndash; قد اقترحت أن يتعاون الجيشان الإيراني والأمريكي تحت القيادة الأميركية في تدريب وإعداد الجيش الأفغاني الجديد. فضلا عن إعلان الإيرانيين عن رغبتهم الملحة في توسيع الحوار والتعاون الذي بدأ مع الولايات المتحدة إلى موضوعات أخرى تشمل عمليات السلام في الشرق الأوسط والدور الإيراني في المنطقة بصفة عامة.
وكشف التقرير النقاب عن أن المبعوث الأميركي دوبنز قد أرسل مذكرة إلى واشنطن بخصوص هذه التطورات الايجابية، فكان الرد الأميركي بان أعلن الرئيس الأميركي انه ليس هناك أي نوع من التعاون مع إيران بل ووضعها ضمن دول محور الشر. أما هيلارى مان خبيرة الشئون الإيرانية والأفغانية في مجلس الأمن القومي الأميركي ، فقد عبرت لبراون عن دهشتها الشديدة لمحور الشر الذي أعلنه الرئيس بوش، والتي أكدت أن الإيرانيين قد تعاونوا بأمانة وشفافية مع الولايات المتحدة. وبالتالي يصل براون إلى نتيجة في غاية من الأهمية تشير إلى انه في الوقت الذي كانت فيه مظاهر التعاون بين الغريمين شديدة الوضوح على ارض الواقع ، كان هناك نقص وسوء إدراك على مستوى مسئولي الإدارة الأمريكية، فلم يستطيعوا أن يدركوا هذه المتغيرات الجديدة ويستغلوها أفضل استغلال.
على الجانب الآخر اعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التقرير نصرا كبيرا لإيران، وحاول براون معرفة رد فعل الشعب الإيرانى على هذا التقرير، حيث أشار إلى انقسام الشارع الإيرانى على نفسه ، فنجد أن المؤيدين لسياسات الرئيس الإيرانى نزلوا إلى الشارع فى مسيرات حاشدة تندد بالسياسات الغربية تجاه بلادهم. فى حين أعلن قطاع آخر من الشعب الإيرانى السخط على الأوضاع السيئة التى آلت إليها بلادهم منذ قدوم نجاد إلى السلطة، حيث ارتفعت نسبة التضخم وزاد عدد العاطلين عن العمل.
أما عن مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذا التقرير على العلاقات الإيرانية الأميركية، لفت التقرير الانتباه إلى أن هناك العديد من الشواهد الايجابية التي شهدها الشارع الإيراني، فالتيار الاصلاحى والمعتدلين الإيرانيين بدأوا في توجيه انتقادات علنية لسياسات الرئيس الإيراني فيما يتعلق بسياساته تجاه البرنامج النووي الإيراني، وبالرغم من أن الجميع يتفق على حق إيران في امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية، إلا أنهم اعتبروا أن التصريحات المتشددة التي أطلقها نجاد تجاه إسرائيل قد أججت المخاوف الغربية من النوايا الإيرانية. ولكن فى نفس الوقت يشير براون إلى أن موقف الرئيس الأميركى لن يساعد سوى أحمدى نجاد ويمكنه من تعبئة الشعب الإيرانى خلف سياساته.
الولايات المتحدة: هل فوتت الفرصة؟
مرة أخرى يشير براون إلى احد التطورات الايجابية التي أبدتها طهران للتعاون مع الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة مرة أخرى فوتت هذه الفرصة لتحقيق أهداف تريدها غير تلك إلى تعلنها في خصوص تعاملها مع إيران. ففي عام 2003 أرسل مجموعة من المسئولين الإيرانيين مذكرة بدون توقيع ndash; نوع من المراسلات يطلق عليه في عالم الدبلوماسية ndash; من خلال وساطة سويسرية، في هذه المذكرة أبدت إيران التزاما نحو المساعدة فى إقامة حكومة ديمقراطية فى العراق، والحصول عن التكنولوجيا النووية السلمية ، وإيقاف محاولاتها لتطوير تكنولوجيا نووية عسكرية، في مقابل ذلك تتوقف الولايات المتحدة عن سلوكها العدائى تجاهها، وذلك على طبقا لما ذكره لارى ولكيرسون مدير مكتب وزير الخارجية السابق كولين باول ، والذى أكد وصول هذه المذكرة إلى الإدارة الأميركية. وأشار ولكيرسون إلى انه بالنظر إلى الأهداف التى كانت الولايات الأمريكية تريدها من إيران (من قبيل الشفافية الكاملة بخصوص برنامجها النووى ووقف الدعم الذى تقدمه إيران للجماعات الإرهابية) ، فان هذا العرض كان يمثل فرصة كبيرة كان لا يجب أن يتم تفويتها وكان لابد من استغلاله، ولكن هذا لم يحدث واعتبرت الولايات المتحدة أن هذا العرض غير جاد ، وانه مجرد مراوغة من النظام الإيراني، الأمر الذي اعتبره ولكيرسون غباء من الإدارة.
على جانب آخر لفت التقرير الانتباه إلى تصريحات نيكولاس بيرن نائب وزيرة الخارجية الأمريكية، والتي أكد فيها انه فى عام 2003 لم تكن له أى علاقة بالملف الإيراني، وبالتالي فانه لو كانت هناك مذكرة من هذا القبيل فانه لم يسمع بها، ولكنه في نفس الوقت أكد على ضرورة الحديث مع الإيرانيين، ولكن بشرط أن يعلقوا أنشطة تخصيب اليورانيوم وهذا ما ترفضه القيادة الإيرانية تماما، بل إنها سعت إلى مزيدا من التطوير لبرنامجها النووي.
جيتس يرفض التقرير ويصعد ضد إيران
أما شبكة NPR فقد اهتمت برد فعل وزير الدفاع الأميركى روبرت جيتس على تقرير المخابرات الأميركية، واعد جاى راز تقريرا فى هذا الصدد ، حيث كان وزير الدفاع يحضر مؤتمر وزراء الدفاع العرب فى البحرين، والذي أكد على الرغم مما ذكره التقرير فان إيران مازالت تمثل خطرا كبيرا، ورصد التقرير محاولات وزير الدفاع الأميركى من التخفيف وطأة التقرير خصوصا على حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا يتوقعون أن يأتى على عكس ما جاء به، حيث اعتبر جيتس Gates التقرير بأنه مغضبا للعديد من أصدقاء الولايات المتحدة. ولفت راز الانتباه إلى انه بالرغم من النزاهة والشفافية التى تمتع بها التقرير فان الوزير لم يتخلى عن الموقف المتشدد الذى تتخذه الإدارة الأمريكية تجاه إيران، حيث مازالت إيران من وجهة النظر الأميركية عامل مؤدى للفوضى فى منطقة الشرق الأوسط .
لغة تقديرية وليس حقائق جازمة
وفى تقريرا آخر أعده كورى فلينتوف للـ تناول فيه بالتحليل اللغة التى آتى بها التقرير، حيث وصف فلينتوف لغة التقرير بأنها تقديرية ، فلم يتضمن التقرير حقائق أو أدلة معينة ومؤكدة، بل كانت اللغة التى كتب بها التقرير تشير إلى التقدير أو التقييم، لذلك ركز معدى التقرير على استخدام عدد من المصطلحات من قبيل quot;من المحتملquot; وquot;غالباquot; عند الحديث عن احتمال حدوث بعض الأشياء، في حين كانوا يستخدموا مصطلحات مثل quot;من غير المحتملquot; وquot;من المستبعدquot; عند الحديث عن احتمال عدم حدوث أشياء معينة. هذه المصطلحات تشير إلى قدر كبير من المصداقية والثقة فى صحتها، وفى نفس الوقت استخدم معدى التقرير مصطلحات مثل quot;ربماquot; عندما لم يكن لديهم معلومات كافية ويمكن الوثوق فيها.
أما إلى مدى يمكن الوثوق في المعلومات التي وردت في التقرير، أشار الكاتب إلى أن الإجابة على هذا السؤل تعتمد على مدى جودة المعلومات والمصادر التي تم استقائها منها ، وفى هذا الإطار قسم التقرير الأحكام التي أطلقها إلى ثلاث مستويات، الأولى عالية الثقة أي انه اعتمدت على معلومات عالية الجودة وموثوق في صحتها ، أما الثاني متوسط أي أن المعلومات ذات قدر معقول من المصداقية، أما المستوى الثالث فمنخفض المصداقية أي أن المعلومات التي اعتمدت عليها هذا النوع من الأحكام مشكوك إلى حد كبير في مصداقيتها ومصدرها. وبالرغم من هذا التصنيف إلا أن رصد موقف مسئولى المخابرات من هذا التقرير ، فعلى الرغم من ثقتهم فيما احتواه التقرير من معلومات، إلا أنهم أكدوا أن ما جاء فى التقرير ليس أحكام جازمة ونهائية.
السى اى إيه CIA فى إيران
أما صحيفة لوس انجلوس تايمز فقد كشفت النقاب عن أن وكالة المخابرات الأميركية الـ CIA قد أطلقت برنامجا سريا فى عام 2005 للتجسس ضد إيران، وأكد جريج ميلر ndash; الذى أعد التقرير ndash; أن وكالة المخابرات قد هدفت من هذا البرنامج إلى إجهاض البرنامج النووى الإيرانى من خلال تجنيد بعض المسئولين الإيرانيين الذين لهم علاقة بالبرنامج النووي. وأكد ميلر أن هذا البرنامج كان أحد الأسس الهامة التى اعتمد عليها مسئولى المخابرات الأميركية فى إعداد التقرير حول توقف أنشطة إيران النووية العسكرية فى عام 2003.
التعليقات