نيروبي: مهما كان الحزب الذي سيعطي له الناخبون في كينيا أصواتهم فانما يجمعهم مصدر قلق واحد..الفساد. وأظهرت نتائج استطلاع للرأي قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تجري في 27 ديسمبر كانون الاول الجاري أن نسبة 89 في المئة من الكينيين تعتبر مشكلة الفساد التي يعاني منها الاقتصاد أضخم من مشكلات البطالة والفقر وغياب الأمن.
وهناك اعتقاد قديم بان الفساد متأصل في الحياة الكينية. وبدأ ظهور الفساد مع عمليات الاستيلاء على الارض خلال حقبة الاستعمار البريطاني وأصبح ذا طابع مؤسسي في ظل انظمة الحكم المتعاقبة بعد الاستقلال. ويبدو الامر اكثر وضوحا من خلال الحملة الانتخابية.
ففي ظل المنافسة على 210 مقاعد برلمانية يقدم المرشحون اموالا ووجبات خفيفة وقمصانا قطنية ووعودا بنيل وظائف وسندات ملكية في محاولة للفوز بالانتخابات.
وجاء في استطلاع للمركز الافريقي من أجل شفافية الحكم أن نحو نصف الناخبين سيقبلون هدية من مرشخ يسعى لشغل منصب عام رغم أن نسبة 80 في المئة ممن شملهم الاستطلاع نفت ان من شأن ذلك التأثير على نواياها الانتخابية.
وقال جون مبوجوا وهو تاجر (29 عاما) quot;الفساد العلة الرئيسية في المجتمع الافريقي واعتقد انه يتصدر الاولويات في الوقت الحالي.quot;
وفقد الكينيون عشرات الملايين من اموال الدولة نتيجة منح عقود حكومية لشركات وهمية وبدأت الفضيحة في ظل حكم الرئيس دانييل اراب موي واستمرت مع خليفته مواي كيباكي. وخسرت البلاد مبالغ اكبر في قضية quot;جولدنبرجquot; في التسعينات وتقدر الخسائر بحوالي مليار دولار نتيجة صادرات وهمية للذهب والألماس. ولم تجر محاكمة أي من المسؤولين الكبار الذين تورطوا في القضيتين.
ولكن المرارة لا تقتصر على السرقات الكبرى.
فقد سئم معظم الكينيين الممارسات الفاسدة البسيطة التي تسللت للحياة اليومية من رشى لرجال شرطة المرور والقضاة وموظفين عموميين بلا ضمير.
هل الساسة على استعداد لتغيير اسلوبهم؟
تقول جين وشايوري وهي مصرفية في نيروبي انها لا تعتقد ذلك.
وتقول quot;معظم القادة فاسدين. لا اعتقد انهم سيفعلون شيئا حيال ذلك. يتفوه المرشحون به فقط كي يتم انتخابهم.quot;
ويقول منتقدون ان كيباكي لزم الصمت ازاء الامر ويرجع ذلك للضرر الذي لحق بمصداقيته بسبب فضيحة عقود حكومية لشركات وهمية بينما وجه منافسه الرئيسي رايلا اودينجا رسائل متباينة.
ويريد اودينجا ان يظهر الحقيقة وتحقيق المصالحة وتشكيل لجنة تسترد بعض الاموال المسروقة التي ربما حولت للخارج.
ولكن يبدو انه تراجع عن تعهده بتنفيد تقرير ندونجو عن عمليات الاستيلاء على اراض ويبرر منتقدون ذلك بورود اسمه وأحد مساعديه المقربين في التقرير. وضم التقرير الذي اعد بتكليف من الحكومة عام 2004 اسماء ساسة كبار منهم أول رئيسين لكينيا اللذين استوليا بشكل غير مشروع على مساحات من اراضي الدولة لانصارهم السياسيين وأوصى التقرير بمحاكمتهما ورد الاراضي المسلوبة.
لذا فليس هناك ما يدعو لاستغراب تشكك كثيرين في وجود رغبة سياسية لمحاربة الفساد في كينيا الذي يحول دون الاستثمار الاجنبي في اكبر دولة منتجة للشاي في افريقيا ويفترس مواطنيها.
وقال محلل سياسي quot;هل سنرى تحسنا كبيرا.. لا. هل نصدق ان الحقيقة ستظهر وتسترد لجنة رد الحقوق الاموال المنهوبة. لن نصدق حتى نرى ذلك بأعيننا.
هل سيسرق الوزراء في حكومة عام 2008 المال او هل سيحاولون سرقة اموال من الخزانة.. نعم.quot;
ويقول منتقدون ان عدم وجود جيل أصغر سنا من الساسة لم يلوثه الفساد يضعف الامل في حدوث تغيير سريع.
وكتب عبد الله احمد ناصر المعلق والمحامي في مقال في الاونة الاخيرة quot;يبدو أن الحزبين يصران على تدشين برلمان ثلثا اعضائه خبراء مقيمون في الفساد من اصحاب الخبرات الميدانية.quot;
بل وكان هناك فترة كان يتوقع فيها ان يملأ الساسة جيوبهم بالمال العام وكانوا يتعرضون للسخرية اذا رفضوا استغلال مناصبهم العامة لاثراء دوائرهم الانتخابية.
ومن الروايات الشهيرة ما قيل عن سخرية الرئيس جومو كينياتا مؤسس الدولة من بيلداد كاجيا المناضل الراحل الذي قاتل من اجل تحرير البلاد والذي رفض عرضا بالحصول على مزرعة بعدما اصبح مساعدا لوزير. وكان كاجيا يعتبر ذلك اهانة للكينيين المعدمين وفصل لتشكيكه في جدارتهم الوطنية.
ويقول نشطاء ان بذور الفساد لم يزرعها كينياتا بل وجدت قبله بمدة طويلة ابان الاحتلال البريطاني الذي استولى على مساحة شاسعة من الارض وباعها حين نالت البلاد استقلالها في عام 1963.