الياس توما من براغ : أدت الخلافات العميقة القائمة بين القوى الديمقراطية الصربية ليس فقط إلى دخول المحادثات الخاصة بتشكيل حكومة صربية جديدة في طريق مسدود وإنما أيضا إلى تطور سياسي سلبي تمثل بانتخاب احد ابرز الراديكاليين الصرب لرئاسة البرلمان الصربي وهو نائب رئيس الحزب الصربي الراديكالي توميسلاف نيكوليتش الأمر الذي يمثل أول عودة للقوميين المتشددين الصرب إلى احد المناصب الدستورية الرئيسة الثلاثة في البلاد منذ الإطاحة بنظام سفوبودان ميلوشوفيتس في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000 .
وقد انتخب نيكوليتش الذي يسير الأمور في حزبه كون رئيسه فويسلاف شيشيل يتواجد في سجن تابع لمحكمة لاهاي بعد نقاش عاصف في البرلمان استمر لنحو 15 ساعة بسبب دعم نواب حزبه مع نواب الحزب الاشتراكي المعارض ودعم نواب من حزب رئيس الحكومة المنتهية ولايتها الحزب الديمقراطي لصربيا الأمر الذي مكنه من الحصول على 142 صوتا من اصل 244 حضروا الجلسة فيما لم تحصل منافسته مرشحة حزب الرئيس الصربي بوريس تاديتش الحزب الديمقراطي ميلينا ميلوشيفيتس سوى على 99 صوتا .
وقدسوغ حزب رئيس الحكومة دعم انتخاب نيكوليتش رغم المواقف الراديكالية له ورغم تحذير منسق السياستين الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا لرئيس الحكومة الصربية وللرئيس الصربي بان انتخابه سيكون مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي بالقول ان نيكوليتش يمثل أقوى حزب في البرلمان الصربي كونه قد حصل في انتخابات كانون الثاني / يناير من هذا العام على 5و28 % من الأصوات .
ويمثل تسلم راديكالي صربي معروف بمواقفه السلبية من الاتحاد الأوروبي ومن حلف الناتو ومن تشدده في موضوع حل مشكلة إقليم كوسوفو رسالة صربية سلبية توجهها بلغراد نحو العالم وبالتالي إمكانية تعميق عزلتها الدولية وابتعاد بعض الذين يدعمون موقفها حتى الآن في مسالة حل إقليم كوسوفو خارج خطة مارتي اهتساري خاصة إذا ما أعقبت هذه الخطوة اتفاق الحزب الديمقراطي لصربيا مع الحزب الصربي الراديكالي والحزب الاشتراكي على دعم حكومة أقلية يشكلها كوشتونيتسا .
وكانت المحاولة الأخيرة لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة من بين القوى الصربية الديمقراطية قد أخفقت من جديد خلال اليومين الماضيين بسبب عدم النجاح في تجاوز الخلاف الرئيس القائم بين الحزب الديمقراطي و الحزب الديمقراطي لصربيا حول توزيع المناصب الحكومية الرئيسة والمناصب داخل الأجهزة الأمنية الرئيسة أما الحزب الثالث الذي كان مرشحا للدخول في الائتلاف والذي يعتبر ليبراليا وهو حزب غ 17 الليبرالي فقد أعلن صراحة بأنه سينهي مشاركته في المحادثات الخاصة بتشكيل حكومة ائتلافية في حال انتخاب نيكوليتش رئيسا للبرلمان الأمر الذي حدث وبالتالي تراجع الآمال بإمكانية تشكيل حكومة ديمقراطية وتزايد الاحتمالات باتجاه صربيا نحو الانتخابات البرلمانية المبكرة .
وتأتي هذه التطورات السياسية في صربيا في وقت هو الأسوأ بالنسبة إليها سياسيا إذ تنتظرها عدة تحديات مفصلية بالنسبة إلى مستقبلها الأول يتمثل بحل مسألة الترتيب السياسي الدستوري بشكل نهائي لإقليم كوسوفو والثاني يتمثل بموضوع تكاملها مع الاتحاد الأوروبي والثالث يتمثل بمسالة تعاونها مع محكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغسلافيا السابقة ولذلك فان استمرار الأوضاع فيها على هذا الشكل أي الإخفاق بتشكيل حكومة والصعود التدريجي للقوميين المتشددين إلى السلطة من جديد سيعني تعمق عزلتها وفقدان إقليم كوسوفو وانغلاق الأفق الأوروبي بوجهها وعدم استقرار الأوضاع السياسية فيها .