حالتهم النفسية تدهورت بسبب الظلام
أطفال غزة يحلمون بشمس لا تغيب

خلف خلف من رام الله: يتمنى أطفال قطاع غزة لو أن الشمس لا تغيب عنهم، لكي لا يبتلعهم وحش الظلام، وتأخذهم الهواجس في ساعات الليل إلى حيث لا يحبذون. ولكن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي التي لا تغادر سماء القطاع تتصدى لأحلامهم وتقمعها عنوة من خلال غاراتها وقذائفها المتواصلة، وتجبرهم على العودة إلى التقوقع في واقعهم المرير منتظرين الفرج. وحتى تحقق آمالهم وأمنياتهم، ما عليهم سوى مشاهدة براعمهم تتحول إلى أشواك، وخيالاتهم وأحلامهم الجميلة تصبح في وسط الظلام قنبلة من الكوابيس، وبراءتهم تغتال كل لحظة، وربيعهم يحترق. وبانتظار رفع الحصار وإيقاف مسلسل العقوبات الإسرائيلية على قطاع غزة، يبقى الحال على ما هو عليه، لا ماء، ولا كهرباء، ولا حتى دواء، والعقاب الجماعي تحول لعذاب متواصل لكل سكان القطاع، الذين لسان حالهم، يقول: quot;هل ستطول حالة الحصار والظلمة؟

ووفق المعطيات القادمة من قطاع غزة، فالرؤية المفعمة الأمل التي دعا الرئيس الأميركي جورج بوش مؤخراً بالتحلي بها لتحقيق السلام، بات من الصعوبة إيجادها في غزة التي تخيم عليها حالة من اليأس والفقر الذي وصلت نسبته حو 90%، حسبما جاء في تقرير لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان صدر اليوم الاثنين. وبالإضافة لذلك، فقد شلت جميع القطاعات الاقتصادية، ومنها المواصلات والاقتصاد، كما أن البيوت تعاني من البرد القارس نتيجة عدم وجود التدفئة، ولم يتبق سوى ضوء الشموع التي يلتف حولها الأطفال، هرباً من الخوف وتقرباً من الدفء.

كما أن التوجس الأمني الذي يسيطر على تل أبيب يجعل من صواريخها وقذائفها جاهزة للإطلاق صوب كل تجمع في غزة تثار الشكوك لدى جيش إسرائيل حول نواياه. وهو يدفع السكان وبخاصة الأطفال في غزة للحملقة للأعلى عند سماعهم أي صوت، خشية أن يكونوا هدفاً قادماً للقصف، وهذا الوضع المأساوي المستمر يثير حالة من الحذر والتوتر الذي لا يتوقف.

وتعتبر إسرائيل كل فلسطيني يقتل في قطاع غزة quot;مخرباًquot;، وهو ما جاء على لسان رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، يوفال ديسكين، والذي صرح الأسبوع الماضي في جلسة الحكومة أن الجيش الإسرائيلي قتل خلال العامين الأخيرين 2000 مخربا في غزة، ولكن منظمة بتسيلم التي تعنى في حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية أكدت أن عدد العدد الإجمالي للفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الأمن الإسرائيلية في غزة بين الأعوام 2006- 2007 يصل إلى 816.

وأوضحت المؤسسة في تقرير لها أن من بين القتلى هناك 152 قاصرا، ومن بينهم 48 قتيلا تحت جيل 14. وبحسب بتسيلم، فقد قتل في غزة الكثير من الرجال والنساء الذين لم يشاركوا في القتال. ومن بين الأطفال، الذين قتلتهم إسرائيل في غزة، يمكن الإشارة إلى كل من: ماريا عوكل - 5 سنوات، آية الأسطول - 8 سنوات، مهند امن - 6 سنوات، يحيى أبو سلمية - 9 سنوات وشقيقه نصر الله - 5 سنوات، وكذلك ميساء، مرام، سعد وحمود العثامنة، أبناء تسعة أشهر لغاية 10 سنوات، هديل غبن- 7 سنوات ومحمود وسارة أبو غزال- أبناء 8.

كما أن أطفال غزة لم يتمكنوا بعد من نسيان مشاهد الاقتتال بين حركتي فتح وحماس، حتى جاءت مشهد القصف والاغتيال والحصار لتوقد ذاكرتهم بالدم والقتل، هذا في وقت تبين العديد من الدراسات أن أثار الخوف التي تتركها الحروب لا تمحو من ذاكرة الأطفال، بل تظل كامنة وتتراكم لتفرز الكثير من ردود الأفعال في المستقبل، وبحسب تقارير ودراسات سابقة فأن نسبة أطفال غزة الذين يعانون حالة نفسية صعبة نتيجة مشاهد القتل تقدر بنحو 30%، ولكن هذه النسبة ستزداد بشكل كبير في ظل تكثيف هذه الغارات، وغرق قطاع غزة بالظلام.

وحتى تتحقق أمنية إسرائيل بخروج الجماهير في غزة ضد حركة حماس، يبقى أطفال غزة رهن الخوف والتوجس، وكذلك الاغتيالات، فقد سجل خلال الأيام الماضية سقوط بعض الأطفال ضحايا لهجمات الصواريخ الإسرائيلية التي تخطئ أهدافها.

وتدرك تل أبيب تماماً حجم المأساة في قطاع غزة، ولكنها ترفض الاعتراف في ذلك أمام العالم، لإدراكها أن الحصار خياراً قد يوقف صواريخ القسام دون أن يكلفها ذلك الكثير، وبخاصة بعد فشل جميع المنظومات المضادة للصواريخ المتوفرة حالياً في التعامل وإسقاط الصواريخ محلية الصنع التي يستخدمها النشطاء الفلسطينيون في غزة.