أنطلياس (لبنان): غادر باسكال كوشبان، رئيس الكنفدرالية السويسرية، لبنان الأحد الماضي بعد زيارة غير مسبوقة دامت ثلاثة أيام. الزيارة طبعتها تصريحات مثيرة للرئيس السويسري حول حق العودة بالنسبة للفلسطينيين اللاجئين في لبنان.

هذه التصريحات بالتأكيد لم تثر انتباه جميع اللبنانيين، ففي أعالي أنطلياس، وفي ضيعة تقع على مسافة بضعة كيلومترات شمال بيروت، ينتظر جمع من القائمين على جمعية quot;بعثة الحياةquot;، والمستفيدين من خدماتها بفارغ الصبر قدوم الرئيس السويسري في ثاني يوم من زيارته الرسمية للبنان.

رغم أن الجميع كان ينتظر حلول الركب الرئاسي على الساعة الخامسة مساءً يوم السبت 4 أكتوبر، إلا أن الركب لم يصل إلا بعد مرور 40 دقيقة من الموعد المحدد.

في هذا المركز الاجتماعي المشيّد حديثا بفضل تبرعات سويسرية، سمح تأخر الركب، للأطفال الذين ترعاهم الدار بالتدرب أكثر على الأغاني والأشعار التي استقبلوا بها الزائر السويسري.

تأخر الموكب سمح أيضا للأمن المرابط حول المبنى الإسمنتي الكبير بالتثبت أكثر في قائمة المدعوين، ومراقبة أوراقهم الثبوتية، وتتبع كل صغيرة وكبيرة بعين لا تنام، وآذان لا تغفل.

لم يكن حال الإعلاميين أفضل، شعر بعضهم بالملل، وعاد بعضهم يتصفّح أوراقا خطها من قبل، أما المصورون منهم، فقد انشغلوا بالتقاط صور، يعلمون مسبقا أنها لن تجد طريقها للنشر.

لحظة توتر

فجأة، ساد توتر أمني. سيارة تتوقف أمام مدخل البناية، حيث من المتوقع ان يقف موكب الرئيس السويسري، ومن وراء الساتر الزجاجي، يظهر بجلاء ركابها، الذين اشرأبت أعناقهم نحو هذا المركز الإجتماعي.

أجهزة التنصت تنشط في تبادل الأوامر، وعون أمن يركب دراجة نارية، ينطلق كالبرق، في حين تسارع مجموعة أخرى من أعوان الأمن إلى تشكيل درع بشري حول المبنى، لإبلاغ رسالة لهذه العناصر المجهولة تفيد بأننا على علم بوجودكم. بعد التعبئة الشاملة، وبضعة دقائق من هذه الحالة من التوتر، انتهى كل شيء، وغادرت السيارة المكان، وتوقفت حالة التوتر، من دون غالب ولا مغلوب.

لن ينظر الصحافيون من جديد إلى ما خطته ايديهم، وإنشغلوا بتتبع الشمس التي انحدرت نحو الشاطئ، وتوقف المصوّرون عن إلتقاط الصور. على الناحية الأخرى، رهط من الشباب ينشدون مجموعة من اغاني quot;الفيفاquot;.

بداية الزيارة

الساعة تشير إلى السادسة مساءً، إنطلقت صفارة معلنة حلول الموكب الذي طال انتظاره. لحظات، ظهر بعدها باسكال كوشبان، في لباس غير رسمي، مغادرا إحدى السيارات ذات الدفع الرباعي، والزجاج الداكن، التي تستخدم عادة في المواكب الرسمية.

ينبغي الإشارة إلى أنه بعد الإستقبال الرسمي الذي حظي به الرئيس السويسري يوم الجمعة 3 أكتوبر، وبعد الندوة الصحفية والغداء الرسمي في اليوم نفسه، كان يوم السبت بالنسبة للسيد باسكال كوشبان يوما quot;غير رسميquot; قضاه صحبة نظيره الرئيس ميشال سليمان في الجبل.

ظهر كوشبان منبسطا، يتبادل كلمات المجاملة والنكات مع كل من قابله، وأبدى تأثرا لما علم بأن من بين الأطفال الذين ترعاهم هذه المؤسسة، من يُوجد آباؤهم في السجون، وأن من بينهم بعض أطفال الشوارع.

زيارة المقر كانت مكثفة. تذوّق للتبولة الشامية في مطاعم quot;مهداة من دويلة الفالي (إحدى الكانتونات السويسرية)quot;، ثم بعض الأغاني والأشعار لاحقا، ثم جاءت ساعة الندوة الصحفية الغير المنتظرة مباشرة قبل المغادرة.

قضية اللاجئين الحساسة

سمحت الندوة الصحفية المصغرة لأحد الصحافيين العاملين بصحيفة النهار البيروتية بطلب توضيح من السيد كوشبان لتصريح أطلقه خلال اليوم الأول لزيارته، أقر فيه بأن حق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان quot;معترف بهquot;، لكن quot;من الناحية العملية، ليس بالإمكان تصوّر أن يتحوّل ذلك إلى حق في عودة شاملة ومكثفةquot;.

هذه التصريحات كان لها وقع القنبلة في لبنان. فرغم، الإنقسامات العميقة التي تشق صف السياسيين اللبنانيين، هناك قضية واحدة على الأقل تلقى الإجماع التام، وتتمثل في quot;رغبة الجميع في رؤية اللاجئين الفلسطينيين يغادرون لبنان عاجلا أم آجلاquot;.

يعترف السيد كوشبان بأن quot;لبنان وتركيبته السكانية ليس بإمكانهما إستيعاب ما بين 300 و 400.000 لاجئ فلسطيني. هؤلاء يملكون وطنا، وكانوا يملكون قرى ومنازل، إذن لهم الحق في العودة، لكن من الصعب تطبيق هذا الحق عمليا. لابد من البحث إذن عن حل من اجل الحصول على الأقل على تعويضات إذا استحالت عودتهمquot;.

هل هي رسالة أراد الرئيس السويسري إبلاغها إلى السلطات اللبنانية من خلال زيارته؟ الأكيد أن الصحفي الذي طرح السؤال لن يحصل على إجابة. اختتم الرئيس السويسري كلامه محاولا إيجاد توازنا بين متطلبات quot;العدالة والواقعيةquot; بالقول: quot;يجب تسوية المشكلة الفلسطينية على المستوى الدولي، وتسوية ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في ذلك الإطار أيضاquot;.

على اللبنانيين أخذ المبادرة بأيديهم

يتجنب الرئيس السويسري الحديث عن الحصيلة السياسية لزيارته إلى لبنان، لكنه يقر بأنه بعد أن عرف لبنان سنة 1982، مباشرة قبل الغزو الإسرائيلي، ثم مرة ثانية، سنة 1998، خلال الوجود السوري، فإنه يشعر بأن هناك quot;تقدما قد تحققquot;.

ويضيف قائلا: quot;شيئا فشيئا، تشكلت حكومة إئتلافية تمثل جميع الطوائف السياسية، ويحاول الرئيس سليمان توحيد جميع اللبنانيين، والجميع يدعم المصالحةquot;. لكن هل باسكال كوشبان مقتنع بهذه المصالحة، جوابه حاسم: quot;يجب على كل من لا يؤمن بالمصالحة ان يتوقف عن ممارسة السياسةquot;.

وحول الجهود الحميدة التي بذلتها وزارة الخارجية السويسرية للتقريب بين الفرقاء اللبنانيين، وهي الجهود التي كللت بتنظيم لقاءات بين الفرقاء اللبنانيين بمنطقة مونت-بيليران بكانتون فو، في لحظة انقع التواصل فيها بين جميع الفرقاء.

والآن، لا يُوجد أدنى شك في أن تلك الجهود قد ساعدت بشكل حاسم في التوصل لإتفاق الدوحة في شهر مايو الماضي، وهو الإتفاق الذي من المفترض أن يضع حدا لسنتيْن من الأزمة المؤسساتية في البلاد.

واليوم، يعتقد باسكال كوشبان أنه quot;سيكون من الأفضل للبنانيين أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم، من دون تدخل من سويسرا أو من غيرهاquot;. فهل بلغت الرسالة لأصحابها؟!