كامل الشيرازي من الجزائر: يلتقي قادة الإئتلاف الحاكم في الجزائر، اليوم الأحد، في اجتماع يرى فيه مراقبون إفتتاحًا رسميًا لحملة دعائية تروم من خلالها جبهة التحرير (الحزب الحاكم) وحليفيها التجمع الديمقراطي (العلماني) وحركة مجتمع السلم الإسلامية، تمكين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من خلافة نفسه والذهاب إلى ولاية رئاسية ثالثة بعد انتهاء ولايته الحالية في أبريل/نيسان القادم.

ويُرتقب أن يتوّج لقاء قادة الائتلاف الحاكم بإصدار إعلان جماعي يبايع استمرار بوتفليقة في مرحلة ما بعد 2009، مع التوكيد على تنسيق أكبر على مستوى العمل المشترك تحت مظلتي الائتلاف والحكومة، تبعًا لخصوصية المرحلة القليلة المقبلة، بناءً على رغبة الوزير الأول أحمد أويحيى وشريكيه عبد العزيز بلخادم وأبو جرة سلطاني تكريس الإجماع السياسي الحاصل حول شخص حاكم البلاد وإرساء مناخ توافقي مستدام لإنجاح انتخابات الرئاسة تمهيدًا للظفر بتأييد شعبي جارف لصالح بوتفليقة يدعم خططه حال ترسيم خيار التمديد له إلى العام 2014.

لكن عموم المراقبين، يتحفظون حيال تحقيق إجماع بين الشركاء الثلاثة مساء اليوم، على خلفية سعي جبهة التحرير للانفراد بترشيح بوتفليقة باسمها، وممانعة التجمع الديمقراطي وحركة السلم لخطوة من هذا النوع، وهو ما قد يفجّر خلافًا حقيقيًا بين مؤيدي الرئيس الجزائري الحالي، في حال (إصرار) قائد جبهة التحرير على هذه النقطة، علمًا أنّ أتباع أو يحيى وسلطاني يصنفون ما تقوم به تشكيلة الغالبية في خانة (المناورات) والتعدي على ضوابط تمّ الاتفاق عليها لدى تأسيس هذا التحالف قبل أربع سنوات ونصف.

وربط رئيس حركة quot;السلمquot;، أبو جرة سلطاني استمراره في تأييد مسعى التمديد لبوتفليقة بعدم ترشح الأخير تحت quot;مظلة حزبيةquot;، وشدّد وقتئذ على أنّ حزبه لن يساند أي مترشح متحزّب حتى ولو تعلق الأمر بالرئيس الحالي في حال إعلانه الترشح تحت لواء حزب الأكثرية، كما انتقد سلطاني حليفه بلخادم وقال إنّه سينتزع أوراقًا توظفها بعض الأطراف للمزايدة، في إشارة قوية منه إلى تصريح وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس، أنّ بوتفليقة مرشح جبهة التحرير وذاك أمر يخص الحزب، مثلما قال، وتوكيد بلخادم على طرف نقيض، بأنّ حزبه ليس بحاجة إلى استشارة شريكيه للإعلان عن مرشحه في الرئاسيات!

ومن شأن عزف جبهة التحرير بصفة منفردة، أن يلقي بظلاله على الخمسة أشهر المتبقية من عمر الولاية الثانية لبوتفليقة، ولا يستبعد أن يجنح كل حزب ndash; على الرغم من التحالف الظاهري- إلى تنظيم حملات دعائية مفصّلة على مقاس كل طرف، بشكل قد يرهن دخولاً انتخابيًا منسجمًا لمؤيدي الرئيس الجزائري الحالي، ويحيل على سيناريوهات سوداوية بعد فوز بوتفليقة بكرسي الرئاسة مجددًا، إذ من المنتظر أن تنشط الصراعات بين الجبهة والتجمع والسلم، حول من سيفتك حصة الأسد في مناصب قيادية على مستوى الحكومة وأجهزة أخرى لا تقلّ أهمية في الدولة.

وعكست الأزمة الناشبة قبل أسبوع، شرخًا ظلّ واضحًا بين حلفاء الرئيس، بعدما فشلت جميع محاولات حلفاء الرئيس للتغطية على هزال الائتلاف الحاكم الذي ظلّ أداؤه باهتًا منذ تأسيسه في فبراير/شباط 2004، حيث اقتصرت نشاطاته على بضع اجتماعات محدودة وسط أشهر طويلة من الانقطاعات المثيرة للجدل، كما افتقر عمل أطراف الائتلاف إلى أي تنسيق جدي على صعيد العمل الحكومي، أو على مستوى المواعيد الانتخابية المتعاقبة التي شهدت رفضا غريبا من طرف بلخادم وأويحيى وسلطاني لخوضها بقوائم موحّدة، بشكل أبرز التباين المرجعي بين الثلاثة، تبعًا لتمظهر بلخادم في (التيار الوطني) وأويحيى (العلماني) وسلطاني (الإسلامي)، والحسابات الكثيرة التي ارتضاها كل واحد في سياق اتسمّ بتسابق سياسي محموم.

وعمّقت تصريحات وزير الدولة الممثل الشخص للرئيس، من الشرخ القائم بين المتحالفين الثلاثة، إثر جزم بلخادم بأنّ جبهة التحرير هي أول من بادر باقتراح تعديل الدستور الحالي، خاصة ما تعلق بإلغاء المادة 74 والسماح للرئيس بالترشح لعدد غير محدود من الولايات الرئاسية، علما أنّ بلخادم أطلق النار على أطراف حاولت بحسبه quot;التشكيك والزعزعةquot;، وتلك إشارة قوية إلى حليفه وغريمه التقليدي quot;أحمد أويحيىquot; الذي كان متحفظًا تجاه تعديل الدستور منذ العام 2006، قبل أن يتراجع فجأة ويباغت الجميع بتأييده المطلق لبوتفليقة الربيع الماضي.

ولعلّ ما زاد من حدة التأزم الموجود بين أضلاع الائتلاف، هو رفض الأمين العام لجبهة التحرير دعوة شريكه أبو جرة سلطاني إلى ترقية التحالف عن طريق بلورة شراكة سياسية، وتحاشى بلخادم تقديم مبررات مقنعة تسوّغ إسقاطه مقترح سلطاني الذي قدّر بحتمية احتكام حلفاء الرئيس إلى شراكة سياسية تكفل تمتع القوى السياسية الثلاثة بعضوية متكاملة، وتفرض على المتحالفين الالتزام بالأهداف المسطرة وفق عقد واضح.

ويوجّه الشارع المحلي انتقادات لاذعة للائتلاف الحاكم، بسبب المطبات التي تخللت المسار الذي أخذه هذا التحالف، خصوصًا بعد تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وما أفرزته من انعكاسات مخيفة على الجانب المعيشي، كما ينتقد الجزائريون الحصائل الكارثية لمختلف الحكومات التي تموقع فيها الائتلاف كقوة ضاربة ndash; على الورق - وعدم تحقق الكثير من وعود أقطابه، ويستهجن متابعون عامل quot;المناسباتيةquot; الذي يطغى على نشاط الائتلاف وبروزه كمجرد quot;آلية انتخابية شكليةquot; تظهر للواجهة في سائر الاقتراعات، وسرعان ما تختفي بعدها، وهي مآخذ كادت أن تنسف التحالف في أكثر من مناسبة.