العراق يبدأ غداً خطوات إستعادة السيادة المفقودة منذ 5 سنوات
تسلم الأجواء والخضراء والجمهوري وأشرف ومطار البصرة

أسامة مهدي من لندن: يخطو العراق غدا الخميس اول خطواته في مسيرة تستمر 3 سنوات لاستعادة سيادته المفقودة منذ 5 سنوات حيث ستستلم سلطاته من القوات الاميركية المسؤولية عن المنطقة الخضراء والقصر الجمهوري في بغداد ومطار البصرة الجنوبية ومعسكر اشرف لعناصر مجاهدي خلق الايرانية المعارضة بمحافظة ديالى شمال شرق بغداد بالاضافة الى بدء السيطرة والمراقبة على الاجواء العراقية وذلك في مستهل عمليات تفعيل بنود اتفاقية عراقية اميركية وقعها البلدان مؤخرا ينتهي تنفيذها بنهاية عام 2011 موعد رحيل آخر جندي أميركي من البلاد.

ويباشر العراق اثر انتهاء تفويض مجلس الامن التابع للامم المتحدة لقوات التحالف بالبقاء في العراق اعتبارا من اليوم 31 كانون الاول ( ديسمبر ) عام 2008 فصلا جديدا في استعادة السيادة والتحكم بمستقبله. وتنص الاتفاقية العراقية الاميركية التي وقعها البلدان في الرابع عشر من الشهر الحالي على انسحاب القوات الاميركية من المدن والبلدات والقصبات العراقية بحلول اواخر حزيران ( يونيو ) عام 2009 على ان يستكمل الانسحاب نهاية عام 2011. كما اقرت الحكومة العراقية في الثالث والعشرين من الشهر الحالي قانونا ينظيم انسحاب القوات الاجنبية غير الاميركية وتنظيم نشاطاتها خلال فترة بقائها حيث تم تحديد فترة ستة اشهر لانسحاب هذه القوات التابعة لبريطانيا ولها العدد الاكبر بين القوات الاجنبية غير الاميركية مع 4100 جندي اضافة الى قوات من السلفادور ورومانيا واستراليا واستونيا وحلف الاطلسي حيث سيتم سحب هذه القوات نهاية تموز (يوليو) عام 2009.

وقد وقع العراق اتفاقيتين الليلة الماضية مع بريطانيا واستراليا تقضيان بسحب قواتهما من العراق في موعد اقصاه نهاية تموز (يوليو) المقبل قبل ساعات من انتهاء تفويض مجلس الامن لقواتهما بالبقاء على اراضيه اليوم الاربعاء. ووقع الاتفاق مع السفير البريطاني في بغداد كريستوفر برينتس الذي ناب عن الحكومة البريطانية وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي وهو يحدد مهام القوات البريطانية بين الاول من كانون الثاني (يناير) و31 تموز(يوليو) عام 2009 حيث ستكون مهام القوات البريطانية محصورة بدعم وتدريب القوات العراقية من دون ان تتولى اي مهام قتالية.. كما تم توقيع اتفاق مماثل مع استراليا. وقد خول مجلس الوزراء العراقي العبيدي تحديد المهام التدريبية للقوات الاجنبية غير الاميركية والتي ستنحصر خلال وجودها في العراق بعمليات التدريب والاستطلاع البحري ومعالجة المتفجرات.

وتنص الاتفاقية الامنية العراقية الاميركية على تنظيم وجود القوات الاميركية التي تتمركز في حوالى اربعمئة معسكر في العراق حيث ستكون ملزمة بالحصول على موافقة العراقيين لتنفيذ عمليات عسكرية ولن تستطيع اعتقال اي مشتبه به دون اذن من القضاء العراقي. كما سيكون للعراق الحق بمحاكمة الجنود الاميركيين الذين يرتكبون جرائم خارج معسكراتهم او في حال وقوع جنحة خارج مهامهم الامنية. وتؤكد بنود الاتفاقية حول quot;الولاية القضائيةquot; ان quot;للعراق الحق الاولي لممارسة الولاية القضائية على المتعاقدين مع الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة المتعمدة وحين ترتكب تلك الجرائم خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجبquot;.

نقل السيطرة على المجال الجوي الى العراقيين

ويتم غدا نقل المراقبة والسيطرة على المجال الجوي العراقي من القوات الاميركية الى السلطات العراقية. ولهذا الغرض فقد بحث وزير النقل العراقي عامر عبد الجبار اسماعيل ومديرعام سلطة الطيران المدني العراقية صبيح الشيباني خلال اجتماع في بغداد اليوم مع مندوب شؤون النقل الاميركي ديف دي كارمي اجراءات تسليم المجال الجوي الى الحكومة العراقية اعقبها جولة في مركز السيطرة لمنطقة بغداد وبرج السيطرة التابع لمطاربغداد الدولي.

ضبط حركة الطيران العراقية في برج مراقبة بمطار بغداد

وقال الوزير العراقي ان العراق سيتولى السيطرة على المجال الجوي ما فوق 24 الف قدم (اكثر من سبعة كلم) وفقا للاتفاقية الامنية العراقية الاميركية فيما ستواصل القوات الاميركية السيطرة حتى ارتفاع 24 الف قدم. واضاف انه اعتبارا من الان وحتى نهاية عام 2011 سيتولى العراق السيطرة بشكل تدريجي على المجال الجوي حتى الوصول الى ارتفاع صفر. ويخضع المجال الجوي لسيطرة مطلقة من قبل قوات التحالف بقيادة الاميركيين منذ اجتياح العراق في اذار (مارس) 2003.

وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية الامنية على quot;تنتقل المراقبة والسيطرة على المجال الجوي العراقي إلى السلطات العراقية فور دخول هذه الاتفاق حيز النفاذquot; اي اعتبارا من الاول من عام 2009. كما تقول quot;للحكومة العراقية أن تطلب من قوات الولايات المتحدة تقديم دعم مؤقت للسلطات العراقية في القيام بمهمة مراقبة المجال الجوي العراقي والسيطرة عليهquot;. وبموجب ذلك تعفى طائرات حكومة الولايات المتحدة والطائرات المدنية التي تعمل حصراً في حينه بموجب عقد مع وزارة دفاع الولايات المتحدة من دفع أية ضرائب أو رسوم أو جبايات أو ما شابهها من رسوم، بما في ذلك جبايات التحليق أو جبايات الملاحة الجوية أو الهبوط أو الإنتظار في المطارات التي تدار من قبل الحكومة العراقية.

كما تعفى من دفع أية ضرائب أو رسوم أو جبايات أو ما شابهها من رسوم المركبات والسفن المملوكة لقوات الولايات المتحدة أو الجاري استخدامها حصراً من جانب قوات الولايات المتحدة لأغراض هذا الاتفاق ويتضمّن ذلك الموانئ التي تديرها الحكومة العراقية وتعفى هذه المركبات والسفن والطائرات من متطلبات التسجيل داخل العراق. وتشير الاتفاقية على انه quot;على قوات الولايات المتحدة دفع تكاليف أية خدمات تطلبها وتحصل عليهاquot;.. كما تنص كذلك quot;على ان كل من الطرفين تزويد الطرف الآخر بالخرائط وغير ذلك من المعلومات المتاحة عن مواقع حقول الألغام والمعوقات الأخرى التي يمكن أن تعرقل الحركة داخل أراضي ومياه العراق أو تعرضها للخطرquot;.

معسكر أشرف

ستتولى قوات الأمن العراقية غدا مسؤولية حماية وامن معسكر quot;أشرفquot; لعناصر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة غير ان القوات الأميركية ستبقى متواجدة في المعسكر الذي يقع بمحافظة ديالى (65 كم شمال شرق بغداد). وستبقى القوات الاميركية متواجدة في المعسكر لمساعدة القوات العراقية من جهة ولضمان التعامل الانساني مع سكانه البالغ عددهم 3500 شخصا. وقد اعطت الحكومة العراقية ضمانات خطية الى الادارة الاميركية المتمثلة بسفارتها في بغداد بخصوص التعامل الانساني مع سكان معسكر أشرف وفقاً للدستور العراقي والقوانين والالتزامات الدولية. وكانت الحكومة العراقية قد أكدت في ايلول (سبتمبر) الماضي بأنها ستتعامل مع سكان اشرف معاملة انسانية. وقالت السفارة الاميركية في بغداد ان الحكومة الاميركية وعبر سفارتها وقواتها في العراق ستستمر بمساعيها للعمل في العراق بموجب الاتفاقية الامنية الثنائية الجديدة التي وقعت بين الطرفين للتأكد من ضمان نقل هادئ لسكان اشرف.

وتأسست منظمة مجاهدي في ستينات القرن الماضي لمعارضة شاه ايران السابق ونفذت في ذلك الوقت هجمات اسفرت عن مقتل العديد من العناصر العسكرية الاميركية ومدنيين يعملون في مشاريع دفاع في ايران ما دعا الولايات المتحدة الى وضعها على قائمة التنظيمات الارهابية الاجنبية. وهاجرت المنظمة الى خارج ايران في عام 1979 في اعقاب قيام الثورة الاسلامية واعادت تنظيم تشكلاتها في العراق بدعم من الرئيس العراقي السابق صدام حسين حيث اخذت تشن هجمات ضد اهداف ايرانية خلال الحرب العراقية الايرانية التي اندلعت بين عامي 1980 و1988. وبعد دخول القوات الاميركية الى العراق عام 2003 نزع الجيش الاميركي سلاح عناصر المنظمة وابقى عليهم في قاعدتهم بمعسكر اشرف الذي وضع تحت الحماية الاميركية.
ووضعت الولايات المتحدة واوروبا المجلس الوطني للمقاومة الايرانية في قائمة المنظمات الارهابية منذ اواخر التسعينات كما تعتبرها الحكومة العراقية منظمة ارهابية ايضا وحظرت على القوى السياسية العراقية التعامل معها مهددة باجراءات عقابية ضد اي فصيل عراقي يشارك المنظمة نشاطاتها او يقوم بالاتصال بها.

القصر الجمهوري

وستقوم السفارة الاميركية في بغداد التي تتخذ من القصر الجمهوري في بغداد مقرا لها منذ عام 2003 بتسليمه الى الرئاسة العراقية اثر انتقالها الى مبناها الضخم الجديد الذي بلغت تكاليفه 736 مليون دولار متخطية التكاليف التي كانت مقدرة اصلا بحوالي 592 مليون دولار حيث يضم المقر 21 بناء تؤفر مساكن للدبلوماسيين وتؤمن لهم حماية افضل من الهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون. واقيمت السفارة على أرض مساحتها 42 هكتاراً وتتمتع بحماية أمنية غير مسبوقة ويحيط بها جدار دائري إرتفاعه 15 قدماً وتحتوي على سكن السفير ونائبه وست ملاحق لسكن كبار الدبلوماسيين وبنائين ضخمين يضمان مكاتب 8000 موظف يعملون في السفارة. كما تحتوي المبنى على أكبر مسبح في العراق وصالة حديثة للألعاب الرياضية وصالة سينما ومطاعم وملاعب تنس وناد أميركي لاستضافة المناسبات المسائية.

أما القصر الجمهوري المستعاد فيقع في منطقة عرفت باسمه قرب نهر دجلة في وسط بغداد وكان مقرا للرئيس العراقي السابق صدام حسين ورمزا لسيادة البلاد حتى سقوط نظامه في نيسان (ابريل) عام 2003. وبني القصر من قبل اخر ملوك العراق فيصل الثاني (1935-1958 ) مطلع خمسينات القرن الماضي وحمل اسم قصر الرحاب. وقد قام صدام حسين بتوسيعه خلال التسعينات واتخذه مقر اقامة وعمل له وهو يعتبر من ابرز المباني التي تقع في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين التي تضم مقار الحكومة العراقية والسفارات الاميركية والبريطانية واجنبية اخرى ومقر الامم المتحدة.

المنطقة الخضراء

وسيرتفع العلم العراقي على المنطقة الخضراء مقر الرئاسات العراقية والسفارات الاجنبية بوسط بغداد غدا ايضا وينزل العلم الاميركي خلال احتفال ينظم داخل المنطقة حيث ينتظر ان يلقي رئيس الوزراء نوري المالكي كلمة يعلن فيها بدء تفعيل الاتفاقية الامنية مع واشنطن والمباشرة بالخطوات العملية لاستعادة السيادة العراقية. وسيقام حفل رسمي داخل المنطقة الخضراء في الساعة العاشرة من صباح غد الاول من عام 2009 يتحدث فيه المالكي اضافة الى آمر لواء بغداد العميد عماد ياسين الزهيري وأمر الفريق القتالي للواء المشاة الاميركي الخمسين العقيد ستيفن فيراري.

وقال مدير الشؤون الاستراتيجية في الجيش الاميركي اللواء ديفيد بيركنس خلال مؤتمر صحافي في بغداد ان quot;العمليات الأمنية والقتالية مستمرة لكنها لاتنفذ إلا بموافقة الحكومة العراقية وذلك حسب الاتفاقية الأمينة المبرمة بين العراق والولايات المتحدة وستكون هنالك عمليات عراقية أميركية مشتركة على مستوى عال من التنسيقquot;. ومن المنتظر ان يتحدث المالكي خلال مراسم استلام حكومته للمنطقة الخضرا ويعتره تطورا كبيرا على طريق استكمال السيادة العراقية.

وخلال الاحتفال بهذه المناسبة سينزل الجيش الأميركي علمه العسكري وتسلم الأبنية إلى الحكومة وستقوم لجنة من وزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين بتسلم المنطقة الخضراء من عهدة القوات الأمريكية. وستتولى قوات الأمن العراقية حماية المراكز والمرافق التابعة للحكومة داخل هذه المنقطة والتي تضم الكثير من المواقع الحكومية الحساسة ومنها رئاسة مجلس الوزراء ومجلس النواب وعدد من السفارات أبرزها الأميركية والبريطانية وفندق الرشيد.

وقال الجنرال ديفيد بيركنز المتحدث باسم القوات المتعددة الجنسيات في العراق ان العراقيين سيكونون اصحاب القرار النهائي فيما يتعلق بنقاط التفتيش والحواجز الاسمنتية لكن سيتم ذلك بالتنسيق الوثيق مع قوات التحالف. وستقوم قوات الأمن العراقية بحماية المراكز والمرافق التابعة للحكومة داخل هذه المنقطة والتي تضم الكثير من المواقع الحكومية الحساسة ومنها رئاسة مجلس الوزراء ومجلس النواب وعدد من السفارات أبرزها الأميركية والبريطانية وفندق الرشيد.

وفي تصريح له اليوم أكد الناطق باسم خطة فرض القانون اللواء قاسم عطا أن اللجنة المكونة من قيادة عمليات بغداد والدفاع المدني وشرطة النجدة ومديرية شرطة بغداد ومكافحة الارهاب عملت على دراسة تامين مداخل المنطقة الخضراء قبل احالة المهام الامنية الى لواء بغداد. واوضح أن اللجنة درست ايضا إمكانية عدم تأثير الاجراءات الامنية على انسيابية دخول وخروج الموظفين مشيرا الى أن نحو 135 الف شخص واكثر من 35 الف مركبة تدخل المنطقة الخضراء اسبوعيا. واضاف ان اللجنة وضعت دراسة متكاملة تتضمن ايضا وضع الاليات التابعة للقوات الامنية بطريقة لا تؤثر على سير المركبات. وعن سيطرة بعض الشركات الامنية على عدد من نقاط التفتيش في المنطقة الخضراء أكد عطا أن نهاية عقود جميع الشركات الامنية تنتهي بحلول ايلول (سبتمبر) عام 2009.

وأشار الى أن الاجراءات الامنية الاخيرة وانتشار السيطرات في محيط ومداخل المنطقة الخضراء في الأونة الاخيرة جاءت على خلفية ورود معلومات تفيد بتحركات عدائية لمجموعات ارهابية تحاول التاثير على ثقة المواطن من خلال استهداف محيط المنطقة الخضراء. وسيشهد العام المقبل تقليص مساحة المنطقة الخضراء إلى النصف وفتح العديد من الطرق والإحياء فيها لعموم العراقيين بصورة تمكنهم من استخدام الطرق المارة بجوارها من دون غلق أحياء كاملة كما يحدث الآن.

مطار البصرة

وفي مدينة البصرة الجنوبية قال المتحدث باسم القوات البريطانية بيل يونج إن قواته ستسلم مطار البصرة الدولي بجنوب البلاد إلى الجهات العراقية غدا الخميس. وأوضح ان القوات البريطانية ستقوم بتسليم مطار البصرة الدولي إلى الجهات العراقية التي ستقوم بإدارة المطار بشكل كامل ودون أي تدخل من قبلها في مجريات عمله موضحا انه تم تدريب عدد من الكادر الفني والإداري العراقي لهذا الغرض. واشار الى ان القوات البريطانية ستسلم بعد انسحابها من العراق منتصف العام المقبل جميع منشآت قاعدتها العسكرية في البصرة إلى الجهات العراقية. ولبريطانيا 4100 جندي في العراق يتمركزون في القاعدة البريطانية الواقعة في مطار البصرة الدولي (25 كلم شمال غرب المدينة) بعد أن انسحبوا من قاعدة القصور الرئاسية في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي.